الخميس، 28 يوليو 2011

قبلة للريح


قبلة للريح

فادي عاصلة


معبر للبرد ..

للورد

للحزن المجفف

لأساور الصبايا ...

للمناديل  المطرزة ...

لقبضة الحناء في أطراف عين

تقضم حُمرتها ...

وتبسم في حياء ...

جف موعد الحصاد .. أو جف الوريد ...

بعيدٌ أنت عن خطوتك والمدى بعيد ...



يخدش  الندى اظافر الليل ...

يعرقل الورد عن شباك لهفتنا ...

حيث سرت الاغنيات

نضج الحنين ولا يزال الخبز

يهتف لغيمة

تُقلب الفصول كما تشتهي يد المعجزات ...

ويد المنفى من حديد

بعيدُ أنت عن خطوتك والمدى بعيد ...





عُد أصابعك كي تجد حلمي

حيث تركت ظلك آخر مرة ...

يناويء المسافات ...

يربي المنعطف كي يلغي أثر الغياب

والعتاب ...

اكسر المرآة

كي لا ترى غيرك

اكسر المرآه إذا لم تعد كما تشتهي، تراك ...

اكسر المرآة اذا تشوه فيك المُرسِل والمُرسَل والبريد

بعيدُ أنت عن خطوتك والمدى بعيد ...



رد اعتبار الريح للوردة ...

وريم يروم للفصول المورقات على غصن زنبق ...

قذفتك الأسفار فشُل هذا القذف الموفق ...

وحجارة تروي الشقوق تجاعيد وقوفها ...

قل للريح لا

قل للوقت لا

قل للحزن لا ...

وأغرز أظافرك في ظهر نبي شريد

بعيدٌ أنت عن خطوتك والمدى بعيد ...



لا أحد  يطل من دمك على حقيقة القمح ...

لا أحد يعد النخيل لجيل قحط للسنين العجاف

لا أحد يربي ذاكرة تصلح للأمسيات في الغد الموتور ...

لا أحد يجنب التلف ساعديه

لا أحد يرد النوم عن مقلتيه...

ولا أحد يرتب فينا النشيد ...

بعيدٌ أنت عن خطوتك والمدى بعيد ...



ضلت القافلة عن مسار وجهتها ...

لا دليل ينجي ولا رمل يشفق على عيون المسافرين ...

وإبل تراخت ... كأنما بركت على بركان من سنين ...

الصحراء لا تحب الجبناء ...

الصحراء امرأة تحب الهُمام يفتت الحر ويكوي رمل الكُثب قدر ما يريد ...

بعيد أنت عن خطوتك والمدى بعيد ...



وكم تهيم في العراء

تهرب من حفنة الملح وثأر المستحل

سيهوي دمك في الفراغ العبثي

في النهايات الطويلة المتعبة

في قبضة تشبه الغياب أو تزيد ...

بعيدٌ أنت عن خطوتك والمدى بعيد ...



تُطل من شوق ذكرى ...

تحفظ أغنية في وعاء من المشمش

تسقي شجر الآله من ماء خلوتنا ...

تغلي على جمر الفجر قهوتنا ...

وتصلي قدر اتساع الدعاء

صوفي خلف صوفي خلف مريد

بعيدٌ عن خطوته والمدى بعيد ...

تغرب الخيل على وقع الهتاف

وبيض يتقاسمون حناء الفرح الأخير

امرأة تعزي أولادها بإبل لا يفتتها الرمل إذا جفت قوافل القيروان ...

رجل ينتفض من محيط النخيل ليواري دمعه رعشة الاقحوان ..

حكمة للعربي في زرع الثريد

بعيدٌ أنت عن خطوتك والمدى بعيد ...



ألا هبي بصحبك فاصبحينا

ولا تبقي من وعي الحاضرين

حارقة كأن الحزن فيها

إذا ما القهر غيبنا ترينا



تمرد الحمام الزاجلي

على سلطات البريد

تمرد السيف على أسلحة الدمار

وقيء الحديد ...

وتمردت عيناي علي

فما عدت أرى إلا ما تريد

بعيدٌ أنت فالمدى دوماً بعيد ...


بيرزيت - رام الله - 2008

السبت، 23 يوليو 2011

رحلة الشتاء والصيف


رحلة الشتاء والصيف

إلى حتفك اليومي سافر
إلي حيث تسكن الريح بعد هدوئها ...
إلى حيث تستريح الظلال بعد غيبتها
وخيبتها ...
لم يعد شيء من البقاء يجد ...
والمكان لم يعد هاجساً يشلك كلما عزمت على المضي .. .
قتلك الحنين والحرمان والشبق الثوري ...
فإذا اخترت شارعاً . .
ليكن مستقيماً كي لا تلتوي دوائراً
مثلما قال سائق الحافلة لما ضاق ذرعاً بمهنته
"
لو أن الشارع لا يعرف إلا الأمام لوصلت القمر مذ سنين
لكني أدور حولي في المسافات مذ عشرين عاماً ولم أصل ... "

لا شيء...
لا أصدقاء
ولا أغنيات ولا دمى للأطفال . .
لا شارع يعرفك ولا امرأة تطل من عشقها إليك . .
وقد ذكرتك بالموت على أنه انتصارك عليه . .
وقد تذكر حادثة هنا وحادثة هناك ؟
عاشقة تحمل حيفا بين يديها
وقد تهديك قبلة في خلسة من الكرمل الموتور أهله ...
وتدفن صباحكما هناك .. ولا تعود بعدها
لا أنت عدت
ولا هي . . .
ولم يبقى سوى سروة تميل لكل عاشقين
لما حسبتم أنكم وحدكم المنفردون بالزمان
والكرمل يسخر من الزمان ..

وقد تذكر صديق هناك وصديقاً هنا . .
واحد يعبث بالطفولة ويرسم الرمل ...
يكبر المدى وتكبر الأحلام الصغيرة . .
ولما اعتقدت بأنكما باقيان ..
جاءته موجه لتعلمك فنك الرثاء مبكراً
ولتذكر أن السفر له ميقاته ...
فخذ ميعاد التجلي وانطفأ . .


وواحد ...يحملك إلى ذاكرة الندى . . .
إلى شوارع من الياسمين ..
إلى أغنيات من الأندلس . .
ولما تأت لحظة من القهر . .
يتركك عند نافورة في قرطبة . .
وبعض الأمسيات ...
وقد يقول التراب ما يشاء ..
لكن أمي قد قالت ما تشاء
بأن التاريخ لا يعرف شجرة مهما علت ، طالت سمائها . .

وقد تذكر حكايتك مع اليتم ...
ومع التشرد ...
حافياً تقلب الشوارع ولا تستكين
إلا إلى زاوية في درج وعيك . .
لم يعد يُبكيك لا الموت ولا الخيبات الصغار
ولا رحيل الشخوص ولا لذعة التفاصيل
هويت من قافلة في رحلة بين الشتاء والصيف
وقال اعرابي أنه لم ير في هيئتك عابر قبل اليوم . .
كان العطش قد أنهك ساعديك ..
بكيت حتى جفت الدموع . .
ومذ ذاك اليوم والاعرابي يسقيك
وأنت تشرب . .
والظمأ يهزأ من كليكما . .

الخميس، 21 يوليو 2011

ذاكرة الزجاج

 ذاكرة الزجاج


فادي عاصلة 

هو هذيان في الزمان والمكان،انكسار فوق سطح من التردد والحنين،لم يسعفنا الغبار في رتق ماضٍ يستفزنا كلما طال المسير ولم ينجلِ هذا الضباب،فلا تقشر جلدك وتلبس غيرك لئلا تولد في نقيضك حكاية من الهزائم المتكررة وشبح لا تراه إلا فيك ولا ترى ...



خيمة فوق حلمي زجاج

وامرأة تُطل في غيابها

لتنعش ذاكرة الورد فيَّ

يسخر السفر وبعض الشوارع المتشابكات قسراً

لتنفي خطوة الذهول

دمي بوصلة،والجسد عنف الجهات

إذا ضل الفارس إلى غير جواد ...

انكسر الرمح في انكسار النهوض ومقعد النقل الُمقلد ...

مُشهراً حد حيرتي ...

مؤجلاً ميراث الاغتراب ...

كي لا يبرد الغياب في الشمال المُبردِ ...

وكي لا ينحن معطف الانتظار الأخير

وكأني لم أعر البلاد حقيقتي وحقيبتي ...

ولم أسُبح حتف أنفي،لوناً من فيض الآله الُمورد ...

هذا عبثي ...

هذيان في المسافات، وشبه فلاح يرتب هوياته ...

شكلاً من حياة الموت المُجدد

لي هذا العناء على مر القوافي الموجسات في النوى ...

من سني الخفق المُردد ..

تأن فصول الزمان

يضج الرافدان من قحف آشور ..

وكنعان تزهو، تعلو في شرق الاقحوان

وتهمد ...

واللغة تستذكر سياقها ...

تنعى سيبويه،وابن منظور، وابن الأسود ...

يقول ابن فاراب ...

من سمرقند رقدته ...

بؤس المولَد والمُولَد ...

بؤس ما أرى وما اعترى

شيم الزمان المشرد ...

لا أب لكم لينهى ...

ولا راعٍ يصد سهم الغدر المُسدد ...

ويعيد فتح البلاد من فاتحيها ...

إذا ما زنوا بالأرض وخالفوا عهدة الجد المُوحد ...

فلا أبو العلاء تنصفه الحداثة ...

ولا البقل يصحو في أصول النخل المُخلد ...

يصيح البسطامي من قحف وعيه ...

ويبكي البيروني أفول النجم المُرصد ...

هذي البلاد من جذورك ...

وأنت طائي الهوى ...

نارك للغريب ...

وغداء العابرين في الموقد ...

أنت من نسل الفهريين ...

من الحضرميين ... من خزاعة ، من قضاعة

من عكاظ من المربد ...

كيف لكسرى أن يجترأك

وكيف لقيصر بصليل السيف المهند ...

وكيف لفارس أن تناجزك،

وكيف للروم أن ترد سيل الحق المؤيَدِ ...

أنت حفيد ابن الرشيد ...

فهل ينحنِ الفارس على صراط الحق المؤكدِ ؟

أنت حفيد الفاروق ... قتلك المجوس إذ أدرت ظهرك ...

وما قتلوا صرح عزك المُشيدِ ...

أنت حفيد أبي طالبَ،سيد شباب الجنة ...

والفتنة لا تغريها الجنان ...

كل يوم كربلاء ... عود على عودِ المعودِ ...

أنت حفيد ابن الوليد

فسل نفسك سيفاً من قحف الغمد المغمد ...

لا نامت أعين الجبناء ...

وها أنت تموت ،لا شيء إلا ذاكرة تقتات على حنينها

لا واقعة شاركت في جندها

ولا معركة سُل فيها سيفك المقيد ...

ولا تنافخت شرفاً عن حياض الشرف المهدد...

ولا اخترت طريقاً أنت سالكه ...

ولا قولاً في سرد الوقع المعقد ...

وها أنت تموت ... مثل لا شيء ...

فلا نامت أعين القلب الموصد ...