الأربعاء، 8 يونيو 2011

الوظيفة الشعرية لدى جبرا ابراهيم جبرا في رواية السفينة

الرواية الفلسطينية وتطورها


فادي عاصله


ان المهتم بالابداعات والفنون الانسانية ليلحظ ان الفنون ما هي إلا وليدة مآساة،وما انطلاقات في المراحل التاريخية المختلفة ما هي إلا ردة فعل على كوارث ألمت بها وعلى تراكمات حسية شديد الانعطاف،فقد انطلق فن الراب في القرن الماضي من طبقات السود المستائة والمقهورة والتي حاولت بدورها التعبير عن نفسها وايصال رسالتها ، وما فتأ هذا الفن النامي ان انتشر في كل العالم،ومثله كان فن " الجرافتي " صحافة الجدران والتي انطلقت من صفوف البسطاء الذين لا يجيدون التعبير عن أنفسهم عدا عن الخربشات البسيطة،لتتحول خربشاتهم إلى فن بحد ذاته سرعان ما تنامى وتماسك،وهكذا كانت ظروف ولادة الرواية.

كانت تهميش الطبقة الوسطى على مدار سنين وقرون في أوروبا وتركيزها على طبقة الامراء والملوك، قد ولد طاقة هائلة وميراث من الحكايا لدى أبناء هذه الطبقة، وبعد الثورة الصناعة وتغير الميزان الطبقي،كان لا بد لها ان توجد عالماً من الأدب يحكي عن آمالها وآلمها ويعالج مشكلاتها،وفي هذا العالم الجديد كان الانسان العادي هو بطل القصة او الرواية وكانت الطبقة الوسطى هي موضوع الرواية او القصة ومحورها.(1)

في فلسطين والتي كانت ترزح كغيرها من البلاد العربية تحت نير الحكم العثماني " التركي " عاشت كغيرها تجهيلاً ممنهج ساهم في تفشي الجهل والأمية،تطور الاحداث السياسية وضعف الدولة العثمانية واختراقها من قبل البعثات الاوروبية،أثر في ادخال المطابع مما شكل أملا وشجع الكتاب على طباعة انتاجهم الأدبي.

كانت الفترة السابقة قد شكلت مناخاً خصباً للاساطير والخرافات التي بدأت تتهاو أمام الحكاية الشعبية والتي لها مقومات الرواية غير المكتوبة . (2) والتي بدورها تطورت لاحقاً لتشكل رحم الرواية الفلسطينية.

ويؤرخ لمذكرات دجاجة التي كتبها الكاتب اسحاق الحسيني عام 1943 بأنها أول عمل روائي استطاع الخروج من قشور التقليد نحو رؤية ابداعية ذاتية. والتي تلتها ابداعات ومساهمات اتسمت

_______________

(1) عزت الغزاوي،نحو رؤية نقدية حديثة،منشورات اتحاد الكتابة الفلسطينين،القدس 1989 ( ص 11 )

(2) عزت الغزاوي،نحو رؤية نقدية حديثة،منشورات اتحاد الكتابة الفلسطينين،القدس 1989 ( ص 13 )


بالجدية والاحتراف ،وكان للنكبة أثر كبير في تعزيز الرواية الفلسطينية ومدها بالحنين والماضي والذكريات،والذي يعتبر البيئة الأكثر قدرة على انجاب الابداع،فتشظي الروائيين على اختلاف الأمكنة الجغرافية ساهم في اكتساب تجارب وبيئات مختلفة،واستيعاب مشاهد وتخزين موروث وطني أدى لتدفق جيل كامل من الروائيين.برز منهم غسان كنفاني،اميل حبيبي،جبرا ابراهيم جبرا،والذين لم يتحولو إلى رموز الرواية الفلسطينية،بلا إلى رموز الرواية العربية.

تميزت الرواية الفلسطينية بطرحها للواقع الفلسطيني المتحرك،وحملها للهم الوطني،اضافة لتقديمها أبطال من أرض الواقع،وبروز الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي،في مجمل أبعاده الاجتماعية والسياسية.( 1 )



______________

(1) سليم النجار،قراءات في الرواية الفلسطينية،دار الكرمل للنشر والتوزيع ،1998 - ( ص 17 )



جبرا ابراهيم جبرا


جبرا إبراهيم جبرا (ولد في 1919 ، توفي في 1994) هو مؤلف و رسام، و ناقد تشكيلي، فلسطيني من السريان الأرثوذكس الاصل ولد في بيت لحم

في عهد الانتداب البريطاني. انتج نحو 70 من الروايات والكتب المؤلفة والمترجمه الماديه ، و قد ترجم عمله إلى أكثر من اثنتي عشرة لغة. وكلمة جبرا آرامية الاصل تعني القوة والشدة جبرا آرامية الاصل تعني القوة والشدة.

ولد في بيت لحم درس في القدس وانكلترا وأمريكا ثم تنقل للعمل في جامعات العراق لتدريس الأدب الإنجليزي وهناك حيث تعرف عن قرب على النخبة المثقفة وعقد علاقات متينة مع أهم الوجوه الأدبية مثل السياب والبياتي. يعتبر من أكثر الأدباء العرب انتاجا وتنوعا اذ عالج الرواية والشعر والنقد وخاصة الترجمة كما خدم الأدب كاداري في مؤسسات النشر عرف في بعض الأوساط الفلسطينية بكنية "أبي سدير" التي استغلها في الكثير من مقالاته سواء بالانجليزية أو بالعربية.

قدم جبرا إبراهيم جبرا للقارئ العربي أبرز الكتاب الغربيين وعرف بالمدارس والمذاهب الأدبية الحديثة، ولعل ترجماته لشكسبير من أهم الترجمات العربية للكاتب البريطاني الخالد، وكذلك ترجماته لعيون الأدب الغربي، مثل نقله لرواية «الصخب و العنف» التي نال عنها الكاتب الأميركي وليم فوكنرجائزة نوبل للآداب. ولا يقل ولا يقل أهمية عن ترجمة هذه الرواية ذلك التقديم الهام لها، ولولا هذا التقديم لوجد قراء العربية صعوبة كبيرة في فهمها[1]. أعمال جبرا إبراهيم جبرا الروائية يمكن أن تقدم صورة قوية الإيحاء للتعبير عن عمق ولوجه مأساة شعبه، وإن على طريقته التي لا ترى مثلباً ولا نقيصة في تقديم رؤية تنطلق من حدقتي مثقف مرهف وواع وقادر على فهم روح شعبه بحق. لكنه في الوقت ذاته قادر على فهم العالم المحيط به، وفهم كيفيات نظره إلى الحياة والتطورات.

توفي جبرا عام 1994،ودفن في بغداد.

أدبه

· في الشعر لم يكتب الكثير ولكن مع ظهور حركة الشعر النثري في العالم العربي خاض تجربته بنفس حماس الشعراء الشبان.

· في الرواية تميز مشروعه الروائي بالبحث عن أسلوب كتابة حداثي يتجاوز أجيال الكتابة الروائية السابقة مع نكهة عربية. عالج بالخصوص الشخصية الفلسطينية في الشتات من أهم أهماله الروائية "السفينة" و"البحث عن وليد مسعود" و"عالم بلا خرائط" بالاشتراك مع عبد الرحمان منيف.

· في النقد يعتبر جبرا إبراهيم جبرا من أكثر النقاد حضورا ومتابعة في الساحة الثقافية العربية ولم يكن مقتصرا على الأدب فقط بل كتب عن السينما والفنون التشكيلية علما أنه مارس الرسم كهواية.

· في الترجمة مازال إلى اليوم جبرا إبراهيم جبرا أفضل من ترجم لشكسبير اذ حافظ على جمالية النص الأصلية مع الخضوع لنواميس الكتابة في اللغة العربية كما ترجم الكثير من الكتب الغربية المهمتمة بالتاريخ الشرقي مثل "الرمز الأسطورة" و"ما قبل الفلسفة".

مؤلــفـاته


في الرواية :

صراخ في ليل طويل،1995 – صيادون في شارع ضيق،1960 – رواية السفينة 1970 – البحث عن وليد مسعود،1978 – عالم بلا خرائط ( بالاشتراك مع عبدالرحمن منيف ) ،1982 – الغرف الاخرى ،1986 – يوميات سراب عفان،شارع الاميرات،عرق وبدايات من حرف الياء.

في الشعر :

تموز في المدينة ،1959 – المدار المغلق،1964 – لوعة الشمس،1978 .

في الترجمة :

هاملت - ماكبث - الملك لير - عطيل - العاصفة - السونيتات لشكسبير، برج بابل - أندريه مارو، الأمير السعيد - أوسكار وايلد، في اتظار غودو صامويل بيكيت، الصخب والعنف - وليام فوكنر، ما قبل الفلسفة - هنري فرانكفورت.

دراسات :

ترويض النمرة،الحرية والطوفان،الفن والحلم والفعل،تأملات في بنيان مرمي،النار والجوهر،الاسطورة والرمز.(1)

_____________

(1) ويكبيديا ( موسوعة في الشبكة المعلوماتية ) :

www.wikipedia.org


ملخص لرواية " السفينة "


تدور رواية السفينة للروائي الفلسطيني جبرا ابراهيم جبرا حول مجتمع مركب بمحض التنسيق وبرغبة افراده،يستخدم جبرا أسلوب المرايا،اذ يحكي كل فرد ويسرد ما لديه بصيغة ال " أنا ".

يتناوب على السرد أربع رواية وهم وديع عساف وعصام السلمان،اضافة لاميليا فرانزي،والدكتور فالح التي تعتبر رسالة انتحاره بمثابة صوت رابع ( أجمع على هذا الراية غالبية المحللين والنقاد ).

يلتقي مجتمع السفينة فيها لتصير مسرح العلاقات وتفاعل الاحداث بينهم،هي فضاء مغلق وكلما ضاق هذا الفضاء أكثر وقسى أكثر أصبحت ذوات أفرادها أوسع.

تطل ذكريات وديع عساف من اللحظة الأولى،بأحاسيسه وأفكاره،للمرأة التي تركها هناك في القدس ( مها الحاج )،ويظهر وديع عساف فلسطينياً بكل معنى الكلمة،مشبع بالارض والحكايا،مفم بالحزن ولديه من الأمل ما يفيض.

يتعرف إلى عصام السلمان العراقي الهارب من ثأر في العراق،ومن عينا لمى حبيبته التي لم تكن من نصيبه بسبب ثار بين العائلتين. تضطرب الاحداث لما يتبين أن لمى موجوده على متن السفينة هي وزوجها الدكتور فالح،اضافة لاميليا فرانزي امرأة ايطالية عائدة من بيروت بعد ان تركت هناك قبر زوجها،كما كان في السفينة شاب قومي يدعى محمود الراشد خرج من السجن السياسي وفي جعبته كم من الاضطرابات النفسية التي لا تفتأ ترخي بظلالها على تصرفاته.

تتراكم الاحداث،وتتفاعل الشخوص،في زمان المكان وزمانها الشخصية،وفي مكانها السابق ومكان السفينة،ويتجلى التنسيق الخفي لكل واحد منهم،لما يتبين أن لمى أقنعت زوجها بالرحلة على ظهر السفينة لما عرفت بأن عصام سيكون فيها،وزوج مها وافق لأن ايميليا ستكون فيها،ووديع فيها لأن مها كان يجب لها أن تكون فيها،وبالتالي فما هذا المجتمع المركب ما هو إلا نتاج رغبات جامحه تدور في نفوس ساكنيه،كلهم لديه رغبة ملحة وكلهم هارب بصورة أو بأخرى.

تتراكم التفاصيل،وتتطور الاحداث،مشكلة ذروة المآساة،اذا يلحظ الدكتور فالح زوجته لمى تسير بجانب عصام السمان،بعد ان ادعت المرض والاعياء،كما وأن ايمليا ذاتها تمارس الجنس مع الدكتور فالح،في فندق الكاردنال في الطابق الثالث.

وهذا المكان بدوره يكون المكان الذي يسهر في عصام ولمى،مها وعصام،بعد انتحار الدكتور فالح ،ولحق مها بوديع ،وهي قمة التهكم في هذه السهرة على أطلال الدكتور فالح .

تنتهي السهرة بعبارة عاصفةمستفزة : " هل انتهوا الآن من الرقص على السفينة ؟ " والتي توحي بالذاكرة القاهرة،التي لا تنسلخ عن ماضي بقدر ما تتشبث بمستقبلها،وبقدر ما يهرب الانسان من ماضي،يكتشف ان من يحركه في " غده " هو بالضبط ما هرب منه يوماً.



الوظيفة الشعرية في النص الروائي لدى جبرا



" الفلسطينيون كلهم شعراء بالفطرة ،قد لا يكتبون شعراً، ولكنهم شعراء لأنهم عرفوا شيئيين اثنين هامين،جمال الطبيعة والمآساة … ومن يجمع بين هذين لا بد أن يكون شاعراً …(1)

يداهمنا جبرا في بداية روايته بهذه العبارة الصادمة،كذروة للتفاعالات الداخلية وذروة للغرور المآساوي المتزن.واذا كانت الذروات هي القمة الفاصلة بين منخفضين فان روائية جبرا ذروات متداخلة منغمسة في تفاصيل قضية تشكل به ومعه ذروة الرواية الفلسطينية.

ان تفهم جبرا ومنظومات وعمق السرد الروائي وربطه بالامتداد العربي يعني ان تكون متبحراً بالسرد،وان تعي مقومات النص الروائي وان تعي جبرا وتعي كل محاوره الفلسفية والفكرية يجدر بك ان تكون باحثاً لا يكل،ولكن يجب ان تكون فلسطينياً منخرطاً في الحياة اليومية مع هموم البسطاء وأزمة المثقف وانحسارات القضية، لكي تلم بشاعرية جبرا ومآساته وافكاره وجنونه وثورته وعبثه واتزانه ،لكي تعي من هو جبرا بكل ما يحمله من أبعاد.

رواية السفينة هي انعكاس شاعريته في قالب غير شعري،وهو تجاوز الدال لمدلوله،وشموخ المعنى فوق سطح الكلمة،وتربص المبتغى بالوسيلة.

لا يتحرر جبرا من شاعريته،فهو شاعر بالفطرة،شاعرية تفرض ذاتها بدءًا من العنوان الذي يلتصق بغلاف " السفينة " وحتى العبارة الاخيرة في الرواية : " لقد انتهوا الآن من الرقص على السفينة … "

ان براعة جبرا وشاعريته تتجلى من مطلع الرواية،ببراعة الاستهلال الذي يجيد جبرا اختياره " السفينة " ،واذ يرى سمير فوزي الحاج في عنوان السفينة،نقيضاً للمدلول البحري2،أراها على غير ذلك، ليست نقيض المدلول البحري لكنها تجاوز البحر والخروج بالبحر ذاته،لا أود ظلم جبرا بتجريده من بحره المنساب في السفينة،بعد أن سلب بحره الحقيقي على شواطيء يافا،او كما قال درويش : " من لا بحر له لا بر له " وجبرا له البر والبحر وسماوات اللجوء … ان السفينة برأيي ليست كما يراها الحاج التعلق بالجذور، وان كان التأويل يعود لكل قاريء وباحث وكاتب وفق خلفيته المعرفية ووفق افكاره،فهذه شرعية في أن أرى السفينة وجبرا على نقيض ما يروه.

_____________

(1)جبرا ابراهيم جبرا،السفينة،دار الآداب ( ص 17 )

(2) سمير فوزي الحاج،مرايا جبرا ابراهيم جبرا،المؤسسة العربية للدراسات والنشر


سفينة جبرا هي ملجأ الاغتراب،ملجأ من يجذفون عكس تيارهم،ومن يحلمون أبعد من واقعهم،وهي حيز الهروب نحو الخطوة القادمة،وربط " أنا " بين " أمس " و " غد " ،يخطط الهاربون ، لأن يكونو معاً في تفاعلات موجية ،مد وجزر،يلتقون وفقها في السفينة،ليعيشو البحر الوجودي بكل تقلباته ومناخاته وتناقضته،يعيشون رحلة البحر الذي يتفاعل معهم كما تتفاعل الأحداث (1) فتراه تاراً هادئاً وتارة ينقلب في أعماقه كما ينقلبون،ليصير البحر مرآتهم، يصوره جبرا من خلالهم ويصورهم من خلاله.

يقول وديع عساف متوجساً من البحر : " ما الذي يريده هذا البحر منا،بهذه الروعه الهائله،وبهذا الجمال الغامض " (2) .ومع بدأ الشكوك الأولى للدكتور فالح في زوجته وتعقد علاقته مع الأخير،يصبح للبحر شكلٌ آخر : " اشتد تململ البحر،وهبت رياح حارة لا يسمع لها أول الأمر،ثم أخذت هباتها تزداد تكراراً وَحِدَّه والسفينة تتمايل ثقيلة مكرهه .ولما تضطرب نفسيات الشخصيات أكثر والشعور بالنهاية المفجعه يتصور عصام سلمان البحر وحشاً : " رأيت البحر يهبط في خط مقعر هائل … "(3)

تتعدد الاصوات في السفينة ،وتوظيف جبرا للغة الشعرية هو تكثيف الدلالة ومنح الاصوات مساحات ملائمة لكي تعبر عن ذاتها ،وان كان قد خلع رداء الشاعر ،فهو لم يخلع رداء شاعريته التي تفرض ذاتها ،ومعارضة واضحة للأسلوب الشعري الذي استخدمه بنفسه ذات يوم،لكنه يتمرد على مبنى الشعر في شكل قصيدة وعلى مبنى الوجود ،وعلى السلطات والمنظومات الفوقية للواقع الذي يعيشه،فتأتي السفينة لتكون هي عالم جبرا،وفق البنية الشعرية التي يراها والبنية الانسانية التي يتمناها من خلال الشكل الذي يريد. ليتحرر من كل السلطات.

ان تعدد الاصوات هو شعر،وان تسلل الخطاب اليومي إلى الرواية هو شعر،وهو جماليات تخلق التوتر في أعمق مستوياته،باعتبارها تموجات دلالية خطيرة.

تتداخل في رواية جبرا محاور عديدة،وطنية،دينيه،فلسفية،صوفية،إضافة لكثافة حضور البعد الانساني وحضور المرأة،بأسلوب سردي تنبثق منه عشرات الخطابات التأملية والشاعرية،وتفاعلات العلاقة بين الشخوص.


___________________

(1)د.علي عودة،الفن الروائي عند جبرا ابراهيم جبرا،مؤسسة الارشاد القومي،2004 ( ص 45 ).

(2)جبرا ابراهيم جبرا،السفينة،دار الآداب ( 87 )

(3)جبرا ابراهيم جبرا،السفينة،دار الآداب ( ص88 )


تتعد مراكز الوعي في الرواية بتعدد الاصوات والمكونات،وهذا ما يفتحها لاحقاً على القراءات.الأمر الذي يجعلنا ننظر إلى المعنى الروائي،بوصفه غير كامن فقط في الدلالات المعجمية ولا حتى في الجانب الفلسفي من اللغة بقدرما هو ثاوٍ في الطبقات الدلالية التي يحملها التاريخ التأويلي للنص برمته . اللقاء والتفاعل ينقلان السرد من نثريته اللغوية إلى شعرية اسلوبية بنائية كثيفه،اذ يصير لكل دال حقول دلالية متعددة ينفتح عليها ويستوعبها وعليه فمن الصعب ابان التحليل الاسلوبي التمييز بين أطراف هذه العلاقات الحوارية تمييزاً يعزل كلاً منها عن الآخر.(1)

وبالتالي فان تحليل لرواية كالسفينة لا يمكن دون استحضار الوظيفة الشعرية كاملاً وعلائقها بالجوانب الاخرى مما يفسر صعوبة التحليل.(1)

ويكثر جبرا من استخدام ضمير الأنا مذ البداية وحتى النهاية،فخير من يعرف هذه الشخوص ،الشخوص بذاتها،فهو الابداع في كيفية تقديم الشخوص لذواتهم … ( أنا هنا للهرب،أنا هنا لأسباب كثيرة …) (2)

ان استخدام الأنا هي قمة المسؤولية والعمق في احاطة الشخص بتفاصيل داخله وعلاقتها بالمحيط وانعكاس المحيط على داخل.وربما نستعين بمقولة جاك دريدا : " من يمارس الكتابة عليه بداية أن يعرف كيف يقول أنا ".(3)

يروي عصام السلمان،العراقي الذي اعتلى السفينة،هروباً من واقعه، ويستهله بالحديث عن البحر،وعن لمى،وعن العلاقة القديمة بينه وبينها،ويوغل بنا نحو متاهات صوفية ودينية لا يجيدها إلا من تاه فيها ألف مرة قبلنا،يوغل نحو عوالم فلسفية، : " لأن الجمال حزين – أجمل ما في الحياة حزين،كبلادي ،والملائكة تحمل كؤوساً تملؤها من الدم القاطر من يدي المسيح المصلوب …) (4)

" في الصميم نحو وحيدون.حياتنا أشبه بالعلب الصينية : علبة داخل علبة – وتضاءل العلب حجماً،إلى أن نبلغ العلبة الصغرى في القلب منها جميعاً واذا في داخلها – لا خاتم ثمين من خواتم ابن السلطان،بل سر أثمن وأعجب : الوحدة .

______________________

(1) محمد سالم الطلبة، مستويات اللغة في السرد العربي المعاصر،مؤسسة الانتشار العربي ( ص62 )

(2)جبرا ابراهيم جبرا،السفينة،دار الآداب ( ص 5 )

(3) جاك دريدا،أحادية الآخر اللغوية ،منشورات الاختلاف،2008 . ( ص 60 ).

(4)جبرا ابراهيم جبرا،السفينة،دار الآداب ( ص 19 )



يندفع عصام السلمان بكل أحزانه سارداً كل تفاعلاته الداخلية،فهو الذي يحمل الوحده في داخله،العشق الغابر،التفاصيل الكثيرة والفلسفات الكثيرة،يحمل الوطن ،الحب،والله …

تختبأ وراء شخصية عصام السلمان ،شخصية معصورة بالقهر،تنزف أسى ،شخصية تراود الذاكرة عن يقظتها،وتتقن فن الهروب ،فتصطدم بالخيبة على حين واقع. ويبرع جبرا في تصويره وفي صياغه حزنه،وإذا كان أجمل ما في الحياة حزين،فان أجمل ما قد يقوله جبرا هو في جمالية حزنه.

المتعة،الشهوة،والذكريات التي لم تفتأ تدوي في ذاكرته،لمى،وبقايا لندن في البعيد،استحضار امرؤ القيس والحوارات باللهجة العامية،عالم متكامل،وصورة لمجتمع يتراءى من خلال سرديات عصام السلمان،لتنتقل الكلمات من حيزها نحو معاني تنمو وتتزاوج في مخيلاتنا وأفكارنا …

كل هذه المحاور تتحول إلى صياغة شعرية تتعدى قضية عصام السلمان وتتعدى حبيبته لمى،انها قضية رغبة مبتورة،وأمنيات تتهاوى أمام ناظريك،وشخص يفقد حيزه شيئاً فشيء،لا يستهويه الوطن ولا يتشبث به،شخص لم يعد يرى الوجود إلا بمنظار من التعاسة المتراكمة ،ولا ينفصل بهذه السريالية عن انطولوجيته او وجوديته الواقعية حين تعيده عينا لمى وهزائم تركها في العراق حسب ألا ترافقه فكان هو من رافقها.شاعرية متفجرة،وحس خفي يتواطيء مع داخل القاريء ليستفز انفعالاته ويمتص موقفه ليصير شريكاً بما يجري أمامه.

وان كان البحر كما قال عصام السلمان : " البحر جسر الخلاص،البحر الطري الناعم،الأشيب،العطوف.قد عاد البحر اليوم إلى العنفوان … ) …

يراه وديع عساف الفلسطيني المتعب والمثقل بكل آلامة : " … البحر دنيا وحسب،بل لأن السفينة تشعرك جسدياً بانسيابك خلال الزمان والمكان معاً… ولربما ستنكشف قريباً علاقة وديع السلمان مع الزمن.

وديع عساف ،تطل خيبته قبل ظله،مستحضراً أقسى ما يمكن ان يجرحنا به : " عن كل أمل تخلوا،أيها الداخلون هنا … " وان استحضاره لمقولة دانتي،لهي رمز مباشر ،أننا نقف أمام شخص مشبع بالخطاب الفلسفي الذي يتسرب إلى خطابه الفردي ويستولي عليه. عدا عن كونه مشبع بالثقافة الأوروبية التي لا تسوى لديه شجرة زيتون في القدس.

______________________

(1)جبرا ابراهيم جبرا،السفينة،دار الآداب ( ص 5 )



كما أنه كتلة من الاحباط المتدحرجة،وكتلة من النقد الذاتي،لا يرى في نجاحه المادي إلا مردود لخساراته في الوطن،يعيش قصة حب متقلبة ،أحلامه لا تنمو خارج حدود الوطن،فهي مثل الزرع هناك في كروم حلحول أو في أطراف القدس،يستحضر طفولته بكل تفاصيلها المرة والحلوة،يستحضر لحظات المقاومة واستشهاد فايز .

ان كل هذا الايحاءات والاستحضارات للقدس والحبيبة،للرجل الذي غزاه الشيب ولم يتزوج،لدم فايز الذي لا يزال يشع من تلال الوطن ،القدس،الشمع،رائحة البخور،بركة السلطان،تهاليل الكنيسة،كلها تتحول إلى مكونات تندمج ضمن السياق المقول وتتحد بالدراما المفجعة التي يختتم بها قصته مع فايز، كل هذا تنظيم للسياقات والانماط ضمن مسار متفرد يتحول إلى مجرى شعري مضمراً في ثنايا خطاب وديع عساف.

تتراكم التفاصيل وتنجلي للقاريء معطيات جديدة،وكحالة طبيعية لانبلاج هذه التفاصيل وتصاعدها،يتصاعد اللفظ الشعري،والحس المرهف ،لكن جبرا يغرز فينا قضية فلسفية غاية العمق،الهروب … كلهم هاربون ولكل فلسفته في الهروب ورؤيته الخاصه حوله،فعصام يرى بالهروب من ثأر في العراق ومن لمى شفاء له، ويؤثر البحث عن واقع يتكافأ معه،فيما وديع عساف يرفض الهرب حتى من الهروب ذاته. ويرى بالهروب نقطة انطلاق من جديد.

يصور لنا جبرا الرقص والغناء الذي انتهى بتزعزع العلاقات بين لمى وزوجها الدكتور فالح،تتراءى لنا تلك الليلة كأننا أمام مشهد سينمائي يتداخل ضمن الوصف الشعري في ضخ للدلالات ليتحول النص إلى مسارب متعددة الاتجاهات نحو التأويل ليترك للقراء اكمال النص وتحليله،وهو لربما ما أراد جبرا قوله على لسان وديع عساف اذ قال : " ليس في الفن من حلول.المسألة ،هي المهمة.أما الحل ففي العدد القادم الذي لن نشتريه…"

تضيق المسافة بين الشعر بكل مقوماته وبين الشعر الروائي،وكأن جبرا يختزل المسافة ويوحدهما … بل ويتمادى في شاعريته ، في شكلي الشعر الموزون والمحدث،باستحضاره لقصيدة أحمد شوقي،وقصيدة محدثة على لسان يوسف.





اللغة الشعرية في الرواية المعاصرة تعتمد أنساقاً بلاغية،فكرية،واجتماعية،لأن الروائي يلاحظ أمامه عديد السبل التعبيرية التي تشكل وعيه من جهة وتساعده في الانشاء من جهة ثانية،وتكمن عبقريته في الملائمه بين سجلات هذه المواد وفي " خلق كيان " فني موحد متكامل من مواد متنعة ومتنافرة وغريبة عن بعضها البعض(1). وهو ما يتجلى بالأندلسي الذي سيعزف ذات يوم للشرق،وايمليا التي لم يستهويها إلا الرجال الشرقيين، والفلسطيني اذ يلتقي بالعراقي لتنمو علاقتهما معاً كرديف للمآساة.

وتلوح الشعرية في الزمان والمكان، وفي محاولة للرّبط بين الزّمن والمكان في وعي الإنسان ذاته يُظهر الخطاب دور هذين العنصرين في تكوين الإنسان، فكلاهما ضروريّ وأيّ خللٍ في أحدهما أو في وجوده، فإن الخلل ينتقل إلى إحساس الإنسان بوجوده: "سافرت بحراً، لا لأن البحر هو دنيا وحسب، بل لأن السفينة تشعرك جسدياً بانسيابك خلال الزمان والمكان معاً الطائرة تكاد تُلغي الزّمان، فهي تُلغي فيكَ ذلك الحسَّ الإنساني بالنمو والإيناع والتغيّر، وتؤكد على أنك إنما تسافر في مهمّة تجارية لا نفسيّة"(2) .



ويرتبط الزمن بالخبرة المحمولة في الذاكرة البشرية ويختزن شحنات إنسانية عارمة(3): "إنها دورة من دورات



القيامة.. هذه الأصوات المجلجلة، هذه الرّوائح المشحونة بالزّمن بالعصور الغوابر بِلَوْعَاتٍ إنسانية وقدُها وقدُ شموعٍ لم تطفئها ألفان من السنين ومن القيامة إلى ظلْمَةِ الصُّخُورِ الجوفية الحانية حنوّ الرّحم على الجنين"(4).



تنكشف تفاصيل العلاقات المتشابكة كل له قصته،ولم يكن اللقاء محض صدفه، ثمة من خطط لهذه الزيارة، الدكتور فالح يكتشف علاقة لمى بعصام،وايميليا تكشف علاقتها بالدكتور فالح،ووديع السلمان ينتظر محبوبته المقدسية مها. ويبث الأمل في نفوس الجميع رغم أنه وليد نكبته.ورغم هذا فهو يمثل تيار الوعي والحكمة،تيار الانتماء العروبي، يشد عصام السلمان لأرضه و يحكي للدكتور فالح عن الصمود، حين بدت ملامح نهايه الدكتور تبدو أكثر وضوحاً :

- اننا في حالة يرثى لها

- ولكن تغيير هذه الحالة رهن بنا

- اتفائل ونحن في طريقنا إلى المقصلة ؟(5) .

______________________

(1) محمد سالم الطلبة، مستويات اللغة في السرد العربي المعاصر،مؤسسة الانتشار العربي ( ص61 )

(2)جبرا ابراهيم جبرا،السفينة،دار الآداب ( ص 39 )

(3) سليمان حسين،مضمرات النص والخطاب : دراسة في عالم جبرا ابراهيم جبرا . ( ص 273 )

(4)جبرا ابراهيم جبرا،السفينة،دار الآداب ( ص 48 )

(5) جبرا ابراهيم جبرا،السفينة،دار الآداب ( ص 117 )


يبدو هذا الفلسطيني مشعاً بالأمل،بالتحدي،وبالمواجهة ،ويجيد اشعال افكار الآخرين كي يعيدو دراسة قراراتهم،عدا فالح الذي بدا وهناً مذ بداية الرواية،وكما أثبت علماء النفس أن المنتحر لا بد ان يستحضر كلمة انتحار قبل ان يقدم عليه،فلم يفوت جبرا هذا البعد النفسي اذ يذكر فالح الانتحار في نقاشة مع محمود. وينتحر … واذا كان وديع عساف يمثل الفلسطيني الذي لا ينفصل عن ماضيه،ويحمل من الأمل ما يفيض للآخرين،فإن عصام السلمان هو رمز الانسان الذي يحاول التخلص من ماضيه عبثاً كي يبني غده ليعود زاحفاً إلى ماضيه،وإذا كان محمود الراشد هو رمز للقومي المهووس بعروبته والمنتهي أخيراً بخيبته ،ومصاب بهستيريا الغضب،فان فالح هو قضية أخرى مختلفة تماماً هو تجسيد للانسان الذي يفقد الروابط بين الماضي والمستقبل،ليعيش بينهما ،سوداوي الملامح متفجر مدوي رافض لكل شيء،يعيش عالماً خاصاً به مُشبع بالقهر. ان نهاية فالح بالانتحار،نهاية من لا يقوى على التشبث بماضيه أو العودة إليه،من لا يقوى على حسم أموره،وعلى أن يكون ذاته.


تزدهر اللغة الشعرية عند جبرا إبراهيم جبرا في روايته(السفينة) إذ رأينا أن الصفة العامة التي تسيطر على السفينة في


جميع عناصرها هي(المطلقيّة) وَصِفَةُ الإطلاق أقربُ إلى الشعرية منها إلى الموضوعية النثرية، إضافة إلى أنَّ

الموضوعات الخطابية المنتجة تتناسبُ إبداعياً واللغة الشعرية، كذلك يشكّل طموح الكاتب وإحساسُه بمجموعة من

القضايا الأيديولوجية المؤثرة لديه قدرةً تحفز النص اللغوي وترفَعُهُ من النثرية السردية إلى الشعرية العليا؛ ففي السفينه



مثلاً تأتي(موضوعة) الأرض المحفز البؤري الرّمزي وكذلك يكونُ المكانُ بكلِ مكوناتِهِ الرّمزيّة: ((الصخر، البحر، الدار، المساجد، الكنائس…)). وما ننتبه إليه أنّه عند كل صوَّةٍ بؤرية من هذه الصُّوى تتبأر اللغة، وتتكثّف وتتجاور

عوالمها في لولبية نحو العمق لتصل إلى محور مركزي تتجمّع حوله المحاور التعبيرية الرافدة. إضافة إلى ذلك فإن

بعضَ الموضوعات الخطابية كالحبّ والجنس والأنثى، وبعض القضايا الأيديولوجية والفكرية تبعث على توتر اللغة

وارتقائها … ويبدو أن اللغة الشعرية لا تقتصر على المواضع السردية الخطية وإنما تنتشر في جسم الحوار لتشكل

(مونولوجات) داخلية مرةً، وحوارات فلسفية وروحية وشعرية مرةً أخرى، ويَهَبُها ظهورُها في الحوار قدرة إيحائية

أعلى من قدرتها التصويرية التقليدية، وتستخدم اللغة الشعرية تقنياتٍ لغوية متنوعة بلاغياً وإبلاغياً، فعلى المستوى

البلاغي نجد البلاغيات التقليدية السائدة(التشبيه، المماثلة)، و(الاستعارات والمجازات والمحسنات اللفظية الأخرى)

إضافة إلى الترميز الروائي الخاص وعلى المستوى الإبلاغي تتنوع الوسائل المستخدمة في سبيل(التوصيل) وأهم ما

يمكن أن نشير إليه في هذا المجال استخدام الرصيد الثقافي وتوظيفه بطريقة التناص، وذلك باستخدام اللغة استخداماً ناجحاً في الربط بين الرصيد المستدعى والنص الروائي.(1)

______________________

(1) سليمان حسين،مضمرات النص والخطاب : دراسة في عالم جبرا ابراهيم جبرا . ( ص 375 )

لا ينقطع الحس الشعري الممزوج بالفلسفة وتفاصيل الحياة، مطلقاً،وظل يطفي على سرديات جبرا صبغته المحرضة المقهورة. فكما يقول محمد أركون : " الشعر يحرض ولا يفسر،لا ينتشر إلا طبقات اجتماعية واسعة إلا عندما تتمثل في اللغة اليومية والايضاحات والتفسيرات الفلسفية،او عندما تعلي اللغة الشعرية من شأن هذه التفسيرات.

يختم جبرا الرواية بسهرة دافئه يجتمع بها كل من عصام ولمى،وديع ومها،كانت سهرة مصحوبة بآثار الصدمة، في الطابق الثالث من فندق الكيرينال الطابق ذاته الذي مارس الحب فيه فالح وايمليا. هذه المفارقات الانسانية خدشت وديع صاحب القلب النابض والمشاعر المرهفة،المُستفزة دوماً،يتذكر فالح،ويتذكر جلساته،ويمضغ قهره.يوغل في إحساسه حتى يعود إلى الجانب المشرق من الذات،إلى تفاصيل الناس وحياة البسطاء يتنشون بكعكة على مدخل العمارة،أحلامهم بسيطة وحبهم بريء.ما الذي غير وديع عساف ؟ هل هو تغير أصلاً ؟ لم يتغير بالفعل لكن المحيط من تغير هي حالة الاغتراب التي يعيشها،التفاصيل الخارجية الكثيفة التي تنازع ذكرياته الجميلة في أخذ مكانها،عالم بأكمله يتفاعل وهو الذي لا يحمل من مقومات التغير غير أمله المعتاد يحاول ان يغير به العالم.

ان الاغتراب بحد ذاته كان يجلجل في أعماق جبرا فانعكس الاغتراب في العديد من أعماله،وفي السفينة ينجلى الاغتراب كنتيجة لخسارة الحب لدى عصام،كذلك ايمليا،اضافة لاغتراب الفلسطيني في غياب وطنه،وتراكم القهر والذكريات فيه .

العالم: الجحيم: ((عن كلِّ أملٍ تخلّوا، أيُّها الدّاخلون هنا، هذا ما كُتب على بوابة الجحيم… فقد كنت من "الداخلين هنا" عرفت الجحيم طولاً وعرضاً، الأمل ما عدت أعرف عنه شيئاً.. واليأس ما الذي يعنيه؟ الجحيم؟ وإذا خرجَ المَرْء من الجحيم يعيش المرء كابوساً متواصلاً…))(1)


هذه الصّورة التي يرسمها الخطاب مستعيناً بالرّصد الثقافي أو ما يمكن أن ندعوه (بالتّناصّ) تعطي تصوّراً واضحاً عن


رؤية الخطاب للعالم الذي يتلخّص بكلمة واحدة هي الجحيم وما تؤديه الكلمة من إيحاءات تصويرية، والأمل الذي يعد


جدوى العالم في الاستمرار ويمنحه مسوّغ الوجود، وإذا فُقِدَ الأملُ فَقَدَ الوجودُ مسوّغَهُ وهذا يؤدي إلى البحث عن إنهاء الحياة والوجود وهذا ما سنراه واضحاً في الحلول التي يقترحها الخطاب في موازاته للواقع.(2)


______________________

(1)جبرا ابراهيم جبرا،السفينة،دار الآداب ( ص38)

(2) سليمان حسين،مضمرات النص والخطاب : دراسة في عالم جبرا ابراهيم جبرا . ( ص 88 )


بالتالي فالتقاء هؤلاء المغتربين ليكونو مجتمع مركب يكَّون مجتمع السفينة، في محاولة لخلق ثالث: وظيفتهُ الاجتماعية


أولاً، ومحاولة تجريبية من أجل إقامة مجتمع بديل بقيم بديلة لقيم المجتمع القائم المحكوم بقوانين اجتماعية منفية خارج ذات الإنسان المعاصر.(1)


يعرف جبرا كيف يصدمنا، وكيف يستفزنا، حين يهتف عصام : " منتصف الليل! لقد انتهوا الآن من الرقص على السفينة " فاذا كان حنين وديع السلمان لماضيه القديم في القدس،فان عصام السلمان صار يستحضر السفينة،هو الاغتراب في الاغتراب،فهو حين اعتلى للسفينة اعتلاها هرباً مغترباً،وهو الآن يهرب من هروبه،ويحاول ان يتخلص كمثلهم من آثار السفينة ،من آثار الهروب،من جيل الذكريات،خرجوا من السفينة،مضو إلى الفندق،لكن الأمر الذي لم يسألوه : خرجنا من السفينة،لكن هل للسفينة أن تخرج منا ؟



______________________

(1) سليمان حسين،مضمرات النص والخطاب : دراسة في عالم جبرا ابراهيم جبرا . ( ص 92 )



المراجع :



1. الغزاوي،عزت.نحو رؤية نقدية حديثه،منشورات اتحاد الكتاب الفلسطينيين،القدس،1989.

2. الطلبة،محمد سالم محمد الأمين.مستويات اللغة في السرد العربي المعاصر،مؤسسة الانتشار العربي.2008.

3. النجار،سليم.قراءات في الرواية الفلسطينية ،دار الكرمل للنشر والتوزيع.عمان،1998

4. حاج،سمير فوزي.مرايا جبرا ابراهيم جبرا والفن الروائي،المؤسسة العربية للدراسات والنشر.2005.

5. حسين ،سليمان.مضمرات النص والخطاب: دراسة في عالم جبرا ابراهيم جبرا،منشورات اتحاد الكتاب العرب.1999.

6. عودة،علي.الفن الروائي عند جبرا ابراهيم جبرا،المؤسسة الفلسطينية للارشاد القومي.2003

7. ويكبيديا،الموسوعة الالكترونية. www.wikipedia.org

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق