الثلاثاء، 7 يونيو 2011

في رواية الجريمة والعقاب : دوستوفسكي .. مائة وثلاثون عاماً من الهواجس


دوستوفسكي .. مائة وثلاثون عاماً من الهواجس




فادي عاصلة
مع مرور عام 2011 يكون قد مضى 130 عاماً على وفاة الكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي ( 1821 – 1881 )، و 145 عاماً على روايته الجريمة والعقاب والتي بدورها حملت مشروعاً إنسانياً ضخماً مثقلاً بالأسئلة والهواجس، متخماً بالمعاناة البشرية منحازاً إلى العوالم التي يتحاشاها الكثيرون.
يقول دوستويفسكي " الجمال ينقذ العالم "، وجمال دوستويفسكي هو جمال بطرسبورغ وهو جمال الذات الإنسانية ، هو جمال السياق الذي تلتقي فيه النفس الإنسانية بكل نشوتها مع الواقع المعيشي والجمالي للعالم، عندها يمكن إنقاذ العالم.
تعد الجريمة والعقاب رواية عادية نوعاً ما على صعيد الحبكة والأحداث فالقصة بخلاصة خمسمائة وسبعين صفحة، تحكي عن راسكولينكوف الشاب الذي يقتل عجوزاً مرابية وشقيقتها، تعتاش على حاجات الناس ومصائبهم، ولا يتردد في قتلها لكنه سينجو من فعلته ومن تحقيقات الشرطة من خلال مصادفات عديدة، إلا أنه يسلم نفسه في النهاية.
هذه القصة بكل بساطتها لا تحمل مضمونها في أحداثها بقدر ما تحمله في البحث الإنساني والهواجس المرافقة لراسكولينكوف، حيث يبدأ بالتفكير في كل شيء في هواجس القتل في الأسئلة في الإجابات في تصرفات الناس وفي المفارقات الإنسانية، في الحدس وفي الشك في فلسفة الجريمة وفن التخيل في أروقة التوجس وأبعاد الانتظار وثقله. ومع ذلك يبقى راسكولينكوف مسانداً للمحتاجين ففي عدة مواقف تراه يساعد الآخرين وينفق كل ما في جيبته من روبيلات وكوبيكات.
إن روائية دوستويفسكي تكمن في قدرته على التوغل في النفس البشرية وعلى صياغة ذاك المكنون المتفتق في لحظات الذروة الإنسانية، إنها تورط في سيكولوجيا المجرم، وسبر لأعماق الإنسان في أقسى أماكنه، وهو ليس بزائر عابث وهاوٍ بقدر ما هو وليد تلك المنطقة الاجتماعية التي تحوي بدورها كل أشكال التمرد على قوانين الضبط الاجتماعي ومراكز صنعه.
لقد كان صاحب الجريمة والعقاب يعيش في تلك الغابة الموحشة من التوترات والتناقضات، في لحظة من تورط معيشي، كان قادراً على صياغة كل هذه المجمل وتحويله إلى عمل جمالي من الممكن أن ينفذ به نحو رؤيته بالجمال كمخلص للعالم. وإذ يكون دوستويفسكي هو من صلب تلك العوالم المغرقة في الفقر، والعنف، والجريمة، والآفات الاجتماعية، فإنه برواياته قد قدم مدخلاً روائياً اعتبره الكثيرون كنزاً لعلماء الاجتماع وعلم النفس في دراسة بنية تفكيرية لشرائح اجتماعية كانت مغيبة دوماً.
سيقض الضمير مضجع راسكولينكوف، وسيفلت من كل الدوائر التي قد تدينه، وسيُمحى أي دليل قد يشكل ورقة ضده، وستمر سنين على جريمته، لكنه سيعود ليعترف بجريمته ويلقي بكل الثقل الذي يؤرقه، لم تكن العجوز الشمطاء تستحق الحياة، لكنه لم يكن مخولاً لقتلها.
أسئلة قاسية تبقى معلقة، فأشياء كثيرة في حياتنا لا يجب أن تكون، ولكنا لسنا نحن من يجب أن يزيلها، وأشياء يجب أن تمضي إلى مسارها ولسنا من نخلق لها المسار، ولكن ثمة سؤالٌ آخر : هل سيكون المصير أن تقبل بالجريمة والعقاب معاً ؟ وهل يُكفر العقاب الجريمة أو يلغيها ؟ تبقى الجريمة قائمة ويبقى العقاب ماثلاً، يبقى حتى تنتهي المراباة ولا يجد راسكولينكوف من يحتاج للقتل، كما أنه لن يحتاج لأن ينفق كل الروبيلات  والكوبيكات ويسدي الخدمات ويصنع المعروف لأجل إخماد ضمير لا يخمده إلا العقاب، العقد وحده جزاء كل جريمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق