الجمعة، 17 يونيو 2011

الخبز الحافي ... وبيوغرافية المآساة


الخبز الحافي ... وبيوغرافية المآساة



فادي عاصلة

لا زالت وستبقى رواية محمد شكري " الخبز الحافي " الصادرة عن دار الساقي، تثير ذاك الضجيج حولها، لما تحمله في جوفها من أبعاد قيمية تخرج عن صلب المقول نحو ال " كيف تقول ".

تنتمي رواية الخبز الحافي إلى النوع البيوغرافي في الرواية، كسيرة ذاتية تحمل في طياتها أبعاد مآساوية، وفضاءٌ مُشبعٌ بالشهوات والجنس، بمدمني المواد المخدرة والكحول ، بالسكيرين واللصوص والفقراء والمشردين، بالعنف، والإذلال والقهر والعوز، من هذا  العالم  يخرج محمد شكري ليبدأ تعلم القراءة والكتابة ومن ثم ليصير أحد أهم روائيي المغرب العربي، وليعود مرة أخرى إلى هذا العالم مستذكراً ليكتب سيرته الذاتية انطلاقاً من ذات المكان.

سيرة شكري التي اتخذ فيها الحد الأقصى من الصراحة والجرأة، بدت رواية مؤلمة وغاضبة وملعونة كما يحب تسميتها، لكنها حملت في جوفها كشفاً لمناطق حساسة غالباً ما تم حجبها في الأدب العربي، من نمو الرغبة الجنسية وممارستها، وصولاً إلى تدخين الكيف والحشيش والسرقة  من خلال تفصيل وبوح لا يشفع له الترميز. كان واعياً أن هذه لن يكون من السهل نشره في واقع عربي متحفظ وهو ما تجلى في حظر الرواية في أكثر من بلد عربي.

من المعروف أن ذات الأجهزة الرقابية التي حظرت الرواية هي ذاتها تتغاضى عن الآلاف دور البغاء في بلدانها، وهي ذاتها مساهمة في تخدير شعوبها وفي تدعيم والترويج لكل أصناف الآفات الاجتماعية، وهي المسؤولة أساساً عن كل ما يدور، ولكن ما حاولت الرقابة فعله هو أن تقتل أخطر تصريح وأخطر إدانة واعتراف تقدمها ضحية شاهدة على كل صنوف الإجحاف  التي تتعرض لها،وعلى كل المنظومة المشتغلة في التدمير الاجتماعي.

من الخطأ الجزم  بأن الرواية حجبت لفرط الصراحة فيها وما يشوبها من توصيف " مخل للآداب " على حد تعبير حاظريها، بقدر ما هو حجب لصوت الشرائح الاجتماعية المعدمة والفقيرة، وبقدر ما هو نسف لأي محاولة منها اعتلاء سلم الطبقية الاجتماعية في عالم عربي يدعي عدم وجودها.

تستحق الرواية اليوم إعادة الاعتبار لها في إطار آخر، في إطار العلوم الاجتماعية، حيث تقدم هذه الرواية نماذج حية وعينات مختلفة للأفراد داخل الحيز الاجتماعي مما يمكن منظري علم الاجتماع من الخروج بنتائج قد تكون هامة في هذا الميدان.

هل الفرد خاضع لآلية البناء الاجتماعي ؟ أم هو فاعل قادر على النهوض والمناورة في صراع الطبقات ومراكز الثقل ؟ هو سؤال كان لشكري أن يجيب عليه بطريقته، فهو لم يقدم معطيات وأحداث، بقدر ما كشف عن بنية علاقات معقدة ومتشابكة وعن أنماط اجتماعية محجوبة وموغلة ومتفشية في قرارة شرائح اجتماعية فاعلة في البنى الاجتماعية.

إن التوصيف النفسي المقدم في الرواية لما يختلج محمد الطفل ثم محمد المراهق ثم الشاب، من تفاعلات حسية، ومن مشاعر ومن رؤيته للعالم، للجنس، للحب، للمرأة، للوطن المحتل، كل هذه الأحاسيس وما يرافقها تعد معلومات ومعطيات بحثية قد تستثمر في دراسات اجتماعية قد تأتي بثمار نظرية غاية في الأهمية.

إن الإقصاء الذي تعرض له محمد شكري، وأتهم بخدش الحياء وبصاحب الأسلوب الرخيص في تسويق رواياته، قد يكون غير مؤثر في حقيقة كونه أديباً مميزاً ،كما أنه لم يؤثر في نسب مبيعات كتبه التي بقيت تحقق أعلى الإيرادات في عدة دول، وفي ترجمة كتبه للعديد من اللغات، إلا أن  ما يجب قوله أن هذه الإقصاء قد نجح في عدم دراسة روايته دراسة متأنية وجادة، وهو ما يمكن اعتباره نجاح الرقابة في إقصاء الرواية عن المناطق التي تخافها.

إذا كان ثمة نظام عربي يفتش عن العلة في العالم العربي، وعن سر تفشي الثورات، ليذهب إلى عالم محمد شكري، ليعيش في خبزه الحافي، ليعمل في المقهى، وليبيع الجرائد، ليأكل السمك، وليفتش في الحاويات عن لقمته، وليهرب البضائع في البحر ليلاً، ليعش مع الفقراء والمسحوقين والمهملين، ثم يعود ليدلي بدلوه إن كان لديه ما يقول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق