الاثنين، 18 أبريل 2011

العقد الاجتماعي : رؤية مبلوريه الأوائل

العقد الاجتماعي رؤية مبلوريه الأوائل
 فادي عاصلة
يعتبر توماس هوبس وجان لوك وجان جاك روسو من أبرز فلاسفة عصر التنوير كما أنهم من المؤسسين الأوائل لفكرة العقد الاجتماعي والمجتمع المدني،ولا يمكن لأي باحث يحاول سبر أغوار تلك العصور المشحونة بالفلسفة والفكر والتضاد والثنائيات بالضخ الديني والمادي في آن،بصراع الذات مع الذات،أن يتجاوز هؤلاء الثلاث مفكرين كمنطلق ومرتكز لفهم تلك الظاهر التي تسمى " أوروبا " وهي مرحلة تاريخية تستحق الدراسة لما فيها من غناء يثري الباحثين والعلماء في شتى مجالاتهم إذ كانت ولا تزال أرضاً خصبة للفكر والمعرفة.

الحالة الطبيعية :
هوبس :
تعتبر الحالة الطبيعية للإنسان مركباً هاماً في البناء والنسق الفلسفي لكل من يشتغل في مجالها فهي التي قاعدة النظام الفلسفي والنسق الذي يحدد المعالم الكبرى في الإنجاز الفكري،من هنا كان لا بد لهوبز ولوك وروسو أن ينطلوا من الحالة الطبيعية للإنسان ووفق رؤية كل واحد منهم كانت تتشكل فلسفته.
كان هوبس أشد الفلاسفة تطرفاً أو فلنقل أشدهم حدة،إذ رأى أن الحالة الطبيعية للإنسان هي حالة صراع دائم حرب الكل ضد الكل( وهو قريب إلى ما قاله الفيلسوف أبو حيان التوحيدي سؤل عن مشكلة الإنسان في الحياة،قال : الإنسان مشكلة الإنسان )،بالتالي فإن قانون الغاب هو السائد،والإنسان شرير بطبعه.
إن آراء هوبس السياسة والاجتماعية لا تنفصل عن فلسفلته،وبالتالي فإن أرائه هذا مردها أن الإنسان جسم حركي،وعن حركته المستمرة تتولد الرغبة التي لا يحدها شيء،وبالتالي فإن منطقه الداخلي مفعم بالحسد والغيرة والرغبات المتداخلة،الخوف من الموت،والحزن والألم وفي ظل هذا الرعب المزمن يتنامى لدى الإنسان شعور بالتعويض وبالتحصين عبر امتلاك أسباب القوة،والسعي نحوها، كإجراء ضد كل هذه المعارك الداخلية والخارجية،وعليه فإن الطبيعة الإنسان هي في حالة حرب مستمرة فيما الأخلاقيات ومثل ومبادئ هي اصطناع.
وعليه فإن الانتقال إلى المجتمع المدني هو لحفظ الأمن وثمة عقل مُرشد دل الإنسان على ذلك وعواطف داخلية تتجه رغم الشرور نحو السلم.

لوك :
اختلف لوك عن هوبس في نظرته للإنسان فإذ رأى الأول بأن الإنسان شرير وفي حالة صراع الكل ضد الكل وسيادة قانون الغاب،فقد لوك رأى بالعقل حامياً للإنسان من تصرفاته ومن غيره،كونه يرد ويحجم الإنسان عن أفعاله العدائية،ومن هنا وجب على كل فرد أن يحاول حماية الآخرين وردع المعتدين كما أن العقاب يجب أن يتناسب مع حجم الخطأ المرتكب بمعنى أن يكون العقاب متوافقاً مع الضمير الداخلي.أي أن الإنسان ليس خيراً بالمطلق ولا شريراً بالمطلق.
من هنا رأى لوك أن العلاقة بين الأفراد هي علاقة تبادل مصالح ومنافع فلقد انتقل الناس من حالة الطبيعة إلى المجتمع المدني نتيجة تجاوزات ومساوئ تعرضوا لها في حالة الطبيعة فكان المجتمع المدني ردة فعلية تهدف لتحسين شروط الحياة وحماية الفرد،إذ أن الحالة الطبيعية خالية من القوانين والقضاة والسلطة التنفيذية،والتي بدورها تعتبر ركائز المجتمع المدني – السياسي.
روسو :
 رأى روسو أن الإنسان كان يعيش في حياة طبيعية مثلى،يتساوى فيها الجميع،كما أن هذه الحياة كانت مثالية تسودها الفضيلة والسعادة،إذ الكل راضٍ عما يحصله فهو يعمل بنفسه لنفسه ويعيش تحت تأثير مجموعة من المشاعر تضمن له الراحة الداخلية والاستقرار إلى أن جاء المجتمع المدني ليسلب الإنسان راحته ويفسد حياته،وبالتالي فإن الشرور التي يتحدث عنها هوبس وفق فلسفة روسو هي إفرازات المجتمع المدني وليست سابقه له.إذ أن المجتمع المدني ونشوء فكرة الملكية واتخاذ المعاونين هو من حدا بالإنسان إلى التدهور إلى ما هو عليه فيما حياة الطبيعة السابقة لم تكن تتطلب أكثر من إشباع الغرائز : ( راحة،طعام،أنثى ).
أطراف العقد :
هوبس :
يرى هوبس بالإنسان كائن لا اجتماعي منفعي وشرير بالتالي فإن تأسيس المجتمع المدني يحتاج إلى طرف يتوسط بين الإنسان والإنسان،وعليه يكون الحاكم ذاك شخص الذي يتنازل له الجميع عن الحق الطبيعي المطلق،في مقابل أن يقوم هو بدور الفاصل والموزع لهذه القوة الكبرى الناتجة عن توحيد الحقوق الطبيعية،ولكي يستطيع أن ينجز عمله،وبما انه ليس طرفاً في العقد،فهو مخول بما يراه مناسباً بشكل مطلق دون أي التزام أو مسائلة.


لوك :
نتيجة لحالة الطبيعة التي رآها لوك،ولكون الإنسان خير،لكنه قد يقوم بأعمال شريرة التي يردعها العقل،ونظراً لكونه كائن اجتماعي يحتاج الآخرين،فقد رأى لوك بان العقد الاجتماعي يجب أن يكون بين الأفراد والسلطة الحاكمة،فهم يتنازلون عن حقهم الطبيعي لأجل تسيير أعمالهم فمن الواجب على السلطة الحاكمة أن تحترم هذه الثقة وأن توفر لهم الأمن والخير.

روسو :
 انطلاقاً من رؤية روسو لحالة الطبيعة التي ذكرناها سابقاً،بأنه خير بطبعه وقد أفسده المجتمع المدني،يأتي الحاجة لإبرام اتفاق وعقد اجتماعي يضع حد لتدهور الفرد البشري،من هنا يكون أطراف الاتفاق هو الفرد والإرادة العامة كما العائلة التي تقوم على توافق وإرادة جماعية بالحياة المشتركة كذا يجب أن يكون المجتمع بحيث يكون الالتزام حراً وذاتياً،يحمي الأفراد وملكياتهم ويوظف القوة العامة في سبيل تحقيق ذلك.
جوهر العقد :
هوبس :
إن العقد الاجتماعي قد جاء ليضع حداً لحروب الإنسان،ولشروره،وصراعاته،وبالتالي فإن جوهر العقد الاجتماعي هو التنازل الكلي والنهائي للأفراد عن حقوقهم وحرياتهم الشخصية،
فليس ثمة خيارات مطروحة للمجتمع سوى خيارين،إما الأمن في ظل السلطة المطلقة،وإما الفوضى العارمة في غيابها.
من هنا تأتي الحاجة لسلطة مطلقة تفرض الأمن وتحافظ عليه،وبالتالي فالخير والشر هو ما تراه هذه السلطة لا ما يراه الفرد،فهي ترى بعين الجميع،فما تراه من خير فهو خير وما تراه من شر فهو شر.
لوك :
كان لوك قد أوضح رؤيته للأفراد وعليه بنى توجهاته الفلسفية والسياسية،إذ يرى أن الفرد في حالة الطبيعة له نوعان من الحقوق الأول يتمثل باستخدام سلطته للبقاء وحفظ ذاته،والثاني يتمثل بحق استخدام السلطة الطبيعية لمعاقبة الجرائم المفترضة ضد قوانين الطبيعة بمعنى تنفيذ هذه القوانين بشكل فرد باستخدام قوته،وبناءً على هذين الحقين ،فإن الفرد يتنازل عن الحق الأول إلى بعد أن تديره السلطة،كما أنه لا يتنازل عن الحق الثاني إلا بعد أن تتولى السلطة التنفيذية مهامها.
على وقع هذه الرؤية يمكن توجه لوك الداعي لبناء السلطة برضى الجميع دون إفقادهم حرياتهم عبر السلطة التشريعية والتنفيذية واللتات تضمنان بدورهما حماية الحقوق الطبيعية والتي بدورها تكون الطريقة الأفضل لحماية حقوق الإنسان.
روسو :
تنازل بناءً على ما ذكره روسو في رؤيته لحالة الطبيعة ولأفراد العقد : الفرد – الإرادة العامة،الذين يشكلون أطراف العقد فيما يكون العقد ذاته بجوهره تنازلاً من الأفراد عن حقوقهم الطبيعية وحرياتهم للجماعة من أجل بناء الإرادة العامة التي تضمن القوة للجميع،فوفق هذا العقد كل الأفراد قد تنازل وهو بدوره مشروط على الجميع،فكل فرد تنازل عن حقوقه لاكتساب قوة الجماعة وليحافظ بها على نفسه،كما لا يكون وفق هذه الرؤية أحد تحت إمرة أو قيادة آخر بل تحت إرادة عامة،يكون لكل فرد الحق على الآخر بذات المقدار،وبالتالي فإن كل فرد يبقى حراً ،حاكماً ومحكوماً في آن،بالإضافة إلى ذلك فإن التعاقد ضمن هذه الطريقة يضمن المساواة الطبيعية الأخلاقية والشرعية بين الجميع.
الإرادة العامة هذه هي التي تشكل الدولة بأجهزتها ومؤسساتها وأذرعها،والتي بدورها تكون معبراً عن الإرادة العامة ذاتها.
التزامات العقد :
هوبس :
طالما الحاكم قد جاء ليكون فاصلاً بين الأفراد ضد الأفراد،وطالما لم يكن طرفاً في العقد،وفق التوجه الهوبسي،وبما انه قد جاء ليحفظ الأفراد من بعضهم ويضع حداً لحالة الفوضى،فإنه  طالما حافظ على الأمان طالما وجب على الأفراد الطاعة،أما إذا أخل بالأمن عندها يكون الحق للأفراد التخلي عنه والخروج عليه.وهذا بدوره يفرض على الحاكم التقيد ببعض الواجبات كأن يوفر المساواة للجميع وأمام الأعباء العامة،إضافة لتوفير التعليم،ومكافحة البطالة،ورعاية العاجزين عنه،وأن يوزع بعض الملكيات.
لوك :
جاء الحاكم وفق لوك لكي يضع حداً للتوجهات السلبية التي فرضتها حالة الطبيعة من تجاوزات وانتهاكات للآخرين،وعليه فوجوده جاء ليركز القوة الطبيعية للأفراد في ويوظفها في سبيل خدمة الجميع بناءً على رضى الجميع وموافقتهم،وبالتالي فإن ما العقد الاجتماعي مع ما يحويه من حريات حقوق واحترام والتزامات هو المرجعية النهائية،فإن تجاوز الحاكم ما تم الاتفاق عليه حق للأفراد الثورة عليه.
روسو :
ركز روسو على قضية الإرادة العامة،والتي بدورها عبارة عن تجميع لإرادات الأفراد الآخرين،فهي إذاً مجمع الإرادات الفردية وملتقاها،وهي إما إرادات فردية خاصة،وإما إرادة عامة تسعى للمنفعة الجماعية العامة،وبالتالي فإن الحاكم وظيفته تنفيذ هذه الإرادة العامة،كونها تخضع الجميع،ومن أخل بها وجب عليها العقاب حاكماً كان أم فرداً.

صاحب السيادة :
هوبس :
كما ذكرنا سابقاً تكون السيادة للفرد الحاكم – أو المجموعة الحاكمة الذي تنازل له الأفراد عن حقوقهم الطبيعية لأجل أن يكون فاصلاً بينهم،ويكون متجاوزاً للقانون وفوقه،لأجل المحافظة على الأمن للجميع،في ظل مجتمع فرداني شرس وشرير،بالتالي فإن صاحب السيادة  هو غير ملزم وغير مقيد وصاحب سلطة مطلقة،ولا يمكن إزالته أو تغييره أو استرجاع القوة التي منحت له.فلا يجوز المجادلة والنقاش في شرعية الأوامر والنواهي التي يصدرها.
لوك :
إن صاحب السيادة وفق لوك،هو الشعب أو الأغلبية ،فهم يمنحون السلطة قوة مشروطة بالثقة وتأمين الخير والأمن،والتزام قواعد الأخلاق والتقاليد الدستورية والتعهدات التاريخية.
كما يرى لوك أن الذي يحرك المجتمع هو رضا أفراده،ولكي يستطيع هذا المجتمع السير في طريق واحده فيجب أن يلتقي في الطريق أكبر عدد من المؤيدين.
روسو :
إن صاحب السيادة باعتقاد روسو هو الإرادة العامة،فهي الممثلة الأدق والمعبرة عن جميع الإرادات الفردية،وبالتالي فالسيادة لها،فهي غير قابلة للتصرف : فقط الهيئات تتغير،والشعب يفرزها،غير قابلة للتقسيم : إما أن تكون عامة أو لا تكون،معصومة عن الخطأ: الأغلبية لا تخطأ.




طبيعة السلطة :
هوبس :
السلطة هي خالقة المجتمع الصناعي الفرداني الذي لا يوحدهم سوى المصلحة والمنفعة والحفاظ على الذات والأمن،وبالتالي فإن السلطة مركز توحيد هذه الحقوق وتجميعها ومركز للمحافظة على الأمن،وصاحب السيادة هو من يصنع المجتمع لا العكس.
لوك :
 الشعب هو من يختار السلطة،فلا يكون العقد المجتمع دون رضى أفراده،ولا يمكن بناء دولة ووطن والسير في طريق البناء دون أن يكون أغلبية راضية ومتوافقة،وبالتالي فللشعب حق اختيار السلطة وأفرادها وحق عزلها وتغييرها.

روسو :
السلطة جاءت لأجل تنفيذ الإرادات العامة،التي فرضها نظام المجتمع المدني الحديث والمتمثلة بحفظ الأمن والاستقرار،والملكية،كما يجب على الشعب أن يكون هو من يضع القوانين،وعليه يكون ممثلو الحكومة من قادة ورؤساء عبارة عن موظفين لدى الشعب.
نظام الحكم :
هوبس :
لكي يتم الحفاظ على المجتمع وتوفير الأمن لإنسان شرير يسعى دوماً إلى العدائية والغائية فإن على الحكم أن يكون استبدادي مطلق لكي يجيد توفير الأمن والسيطرة فهي سبب وجوده،وبالتالي فعليه أن يكون صاحب سلطة مطلقة فوق القانون،يملك صلاحيات واسعة،تمتد من الملكية إلى الكنيسة.
لوك : 
يتوجب وفق لوك قبل إقامة الحكومة إقامة المجتمع السياسية،وبعدها يتم إقامة حكومة أغلبية ديمقراطية تتخذ القرارات وبالأغلبية،وتكون مقسمة إلى سلطات تشريعية وتنفيذية وكونفدرالية تسعى جميعها بسن القوانين وتنفيذها وتطبيق العدالة.
عطفاً على ذلك فإن السلطة متغيره،كونها وديعة بيد الحكومة تستخدمها في سبيل الخير العام،وتبقى طالما حافظت على أسباب وجودها ويخرج الشعب عليه طالما أخلت بمقوماتها الأساسية .
روسو :
يرى روسو بأنظمة الحكم أشكال تنظيمية للسلطة التنفيذية،فمهما اختلفت أشكال الحكم تبقى السلطة ذات السيادة كامنة في الشعب،وبالتالي فالحكم يجب أن يكون ديمقراطياً والسلطة فيه مطلقة للإرادة العامة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق