الثلاثاء، 2 أغسطس 2011

بساتين السالمي ونساءها


بساتين السالمي ونساءها



فادي عاصلة

ربما تكون رواية البساتين لحبيب السالمي من الروايات العربية القليلة التي حاولت أن تخترق البنية الاجتماعية بجرأة واضحة محاولة تعرية التناقض المرير المدوي في داخلة الإنسان العربي المسلم في تفاصيل الحياة العصرية، وإذا كان السالمي قد قدم في روايته زاوية موترة لحفيظة الكثيرين، فإنه أثار جدلاً حقيقياً انتقل من ميدان الفكر والفلسفة نحو ميدان الرواية.

السالمي قدم هذه المرة صورة حية من داخل المجتمع، من خلال روايته التي تحكي قصة شاب تونسي يعيش في فرنسا ومتزوج من فرنسية، يعود إلى تونس العاصمة، بعد غياب دام خمس سنين، ويقيم في بيت أخيه ابراهيم لمدة تسعة عشر يوماً، ليجد أن زوجته قد تحجبت، وأن أخاه بات يصلي هو وابنه كل يوم جمعة في الجامع.

في خلال الأيام المتتالية ستتطور الأحداث تبدأ باللقاء الأول حين يرى  أن زوجة أخيه تلبس الحجاب ومن تحت تلبس الملابس العصرية في تناقض لافت، كما يرى أخاه يترك صلاة الجمعة ليقضي وقته مع بائعة هوى، ثم يلتقي ليلى أخت يسرى زوجة ابراهيم، والتي تدعوه إلى بيتها ليمارس الجنس معها.

في المقابل يزورهم أخاه البشير وزوجته عائشة، يحكي له البشير عن انتمائه لحزب التجمع، وعن الرشى التي يقدمها ليتدرج في المناصب، وعن الأوامر التي تأتي من فوق لتصير الضرائب المفروضة عليه خمسة ملايين بعد أن كانت عشرين مليون، وعن السيارة التي اشتراها ثم لم يتمكن من الحج الذي يقرر تأجيله وعن تفضيل السيارة على الفروض.

في موازاة ذلك يقوم أخاه ابراهيم، الذي مارس الجنس مع بائعة هوى، بالاتصال بالشرطة، كي تعتقل جارته نعيمة، بحجة أنها تأوي رجالاً في بيتها، وأن سمعتها تجلب العار للعمارة بأكملها.

كل هذه التناقضات التي يثيرها السالمي، بموازاة الحالات الاجتماعية التي يمر عنها، كالفتية المتسكعين بالشارع، وعن المواخير ونساءها، وعن تطلعات الشباب للهجرة، وعن هواجس الحياة اليومية والأبواب المغلقة، كلها تلقي الضوء على هذا الفضاء الاجتماعي المتردد المتناقض.

هل تغير شيء بعد الثورة التونسية ؟ من المبكر الإجابة عن هذا السؤال، لكن من المؤكد أنه لا يمكن الفصل بين الواقع الاجتماعي المطروح في الرواية وبين الثورة ذاتها، ثمة علاقة متينة، فمثل هذه الظروف الاجتماعية المطروحة في الرواية هي أرضية خصبة لإنتاج الثورات.

لم يحاول السالمي أن يحمل أسلوبية متفردة، كما أنه لم يحاول الاقتراب من الشاعرية السردية بقدر ما كانت لغة الرواية مندمجة في تفاصيل الحياة اليومية ومستواها اللغوي، إلا أنه لم يستطع إلا أن يكون الراوي وأن يكون بطل القصة بحيث لا يمكن الفصل بينهما ليحمل ذاك الأثر النفسي الذي يتحرك داخله السالمي، فاختياره ضمير الأنا كان يحمل في جوفه دلالات الاندماج بينه وبين البطل، دلالات الانسجام و " الكينونة " في التوجهات والأفكار وبذلك زال الفاصل بينه وبين الفاعل الأساسي في الرواية.

لم يقدم السالمي في روايته من جديد، ومن الواضح أنه لم يسعَ لذلك، كما لم يسعَ إلى تشويق مفتعل، أو إلى خلق توترات داخل النص بقدر ما حاول أن ينقل زاوية محددة داخل الواقع الاجتماعي، ويظهر نجاحه في ذلك بحيث تحاول الرواية فعلاً الاقتراب من الواقع قدر المستطاع، هي المفارقات إذاً التي تخلق التوترات داخل الرواية، إنه يلجأ إلا التناقض في داخلنا ليوترنا من خلاله.

تبقى التغيرات الاجتماعية الأخيرة، التي من المؤكد أن الثورة بدأت تخلقها، هي من المتغير الذي سيعيد ترتيب الأوراق والتوجهات الأيدلوجية والفكرية والثقافية التونسية خاصة والعربية عامة، إلا أنه لا يمكن تجاوز أن التراكمات الثورية هذه قد بدأت هناك من عيون شاخصة وملاحظة وواعية لما يجري على الأرض، وبالتالي فإن رواية السالمي حقيقة هي إحداها بحيث  يمكن اعتبارها من الروايات التي أثارت الحفيظة الاجتماعية لإعادة التفكير في ذاتها.

ماذا بعد الثورة التونسية ؟ لا يمكن التنبؤ بما سيؤول إليه الواقع الاجتماعي الجديد، لكن من المؤكد أن بساتين السالمي وتغيرت، ونساءها تغيرت، والفتية المتسكعون تغيروا، أمام تغيرات اجتماعية جديدة فرضتها الثورة، ولكن الراوية تبقى ذاكرة حية لمجتمع هزم تناقضه أو يحاول.



رواية نساء البساتين، للحبيب السالمي، دار الآداب  - بيروت، الطبعة الأولى 2010، عدد الصفحات : 207 من القطع المتوسط


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق