الخميس، 26 يوليو 2012

جدار الفصل العنصري: خنق في الهوة وخلق للهوية

جدار الفصل العنصري: خنق في الهوة وخلق للهوية


فادي عاصلة

لا شك في أن جدار الفصل العنصري، الذي بدأ العمل عليه منذ العام 2002 على الأراضي الفلسطينية المحتلة، كان ضمن مشروع ممنهج لخلق واقع جديد، عبر اختراقه أراضي المحافظات الفلسطينية، عازلاً لبعضها، ومحاصراً للبعض الآخر، وفي النتيجة ملتهماً آلاف الدونمات، ومفسحاً المجال لسياسات وعمليات تهويدية جديدة، على رأسها ضم الكتل الاستيطانية الموجودة على أراضي الضفة الغربية لإسرائيل، عبر اتّباع سياسة الأمر الواقع. لقد بدأ الاحتلال الإسرائيلي، وعلى الرغم من قرارات مجلس الأمن الدولي، وقرارات الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة التي تعتبر هذا الضم غير قانوني ولا تعترف به، بتغيير الواقع على الأرض في مسعى منه لتبديد أي إمكان لتقسيم القدس، أو للتنازل عن الشطر الشرقي منها، أو تحويل مسار الجدار ذاته إلى المسار النهائي لترسيم الحدود.
كانت القدس إذن، في صلب هذا المشروع التهويدي، حيث عزلها الجدار عن الضفة الغربية، معززاً ومكثفاً لسياسة الإغلاق التي يتبعها الاحتلال منذ العام 1967، وهو ما انعكس سلباً على مجمل نشاطات الفلسطينيين هناك، بما يشمل الجوانب الاجتماعية، الاقتصادية، الصحية، الدينية، الثقافية، وبما يؤثر أيضاً على المسألة الديموغرافية للمدينة، وذلك بعرقلة النشاطات الحياتية للمقدسيين، والفصل القسري بينهم وبين امتداداتهم الطبيعية والبنيوية مع مدن الضفة الغربية وقراها، وتحويل نشاطاتهم واهتماماتهم نحو المؤسسات والمراكز الإسرائيلية.
الحياة الاجتماعية
شكّلت سياسة الإغلاق قطيعة ملموسة مع الفلسطينيين بالضفة، وذلك بعرقلة حركة القادمين إلى القدس، عن طريق الحواجز والبوابات وجدار الفصل العنصري، أو عن طريق الإجراءات المشددة في استصدار التصاريح، مع ما يرافقها من معاملة قاسية وغير إنسانية مصحوبة بالشتائم والإذلال والإهانات بحق الراجعين إلى القدس. يقول الحاج أبو أحمد من سكان البلدة القديمة، إن البلدة القديمة تشبه في المساء البلد المهجور، تغلق المحال أبوابها، وتتوقف حركة المشاة، على نقيض أعوام ما قبل الانتفاضة: "كانت البلدة عمرانة والناس تروح وتيجي ...".
ينسحب هذا الأمر على العديد من المرافق الاجتماعية، فقد حالت سياسة العزل والإغلاق دون الزيارات الاجتماعية، وعقّدت الزواج بين الفلسطينيين داخل الجدار وأهاليهم المقيمين خلفه، وعسّرت التواصل الاجتماعي على اختلاف أنواعه. وما تؤكده حالات الزواج بين الجانبين هو لجوء الأزواج من المنطقتين إلى السكن خارج منطقة القدس، حيث باتت كفر عقب هي المأوى لهم، فيما تعرقلت حالات زواج أخرى، كحالة إحدى مواطنات القدس، التي رفض أهلها تزويجها لشاب من رام الله. تقول الفتاة: "في آخر عشرة سنوات بات السؤال الأول للمتقدم للزواج ما لون هويته؟".
اضطّر العديد من المقدسيين لتغيير أماكن سكنهم بما يتلاءم مع التزاماتهم وحاجاتهم الإنسانية، فالبعض ترك سكناه خارج الجدار لئلاّ يخسر بيته في القدس، والبعض الآخر سكن في الضواحي ليكون قريباً من عمله أو أقاربه، وهو ما يعني تشويه الحياة الاجتماعية التقليدية، وإجبار الفلسطينيين على إعادة تشكيلها، لتجنب أضرار السياسة الإسرائيلية التهويدية. وحول هذه القضية، يقول مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية خليل التفكجي: "إن العائلة المقدسية هي عائلة ذات نواة صلبة، كما أنها ممتدة، وبالتالي فإن المسعى الإسرائيلي يهدف لتحجيم هذه العائلات وفصلها، فيما الأسرة يتم تدميرها من الداخل بثقافة دخيلة وآفات اجتماعية على اختلافها"، ويضيف التفكجي: "سيصير 185 ألف مقدسياً منفصلين اجتماعياً ومعزولين عن امتدادهم، وهو ما يولِّد تطور ونمو مختلفين تماماً عمّا هو عليه في الضفة، وهو ما يشبه الثقافة في غزة وأراضي ال48، إذا إنها تحمل في داخلها خصوصية التقوقع المفروض عليها، بحيث تتلاءم مع خصوصيتهم كشريحة ذات وضعية خاصة، وليس مع الثقافة الفلسطينية الجمعية. الحالة ذاتها قد تفرز توجهات نحو الاندماج في المجتمع الثاني. ولكن إسرائيل في النهاية تسعى لإخراج جيل فلسطيني عدمي وغير مُنتمٍ يعمل لديها كعبيد لا أكثر، بمعنى هي تشمل كل من لم يستطع الاندماج في ثقافة المنتصر المُحتل، ولا يستطيع أن يعيش في إطار ثقافته".
العمل والاقتصاد
هناك عشرات الحالات التي تشبه الحالة السابقة، والتي تقع ضمن التأثيرات الديموغرافية التي أحدثها الجدار وسياسات الاحتلال المرافقة، على أنَّ الأمر لم يتوقف عندها، بل نراه انسحب إلى مرافق أخرى. وفي هذا السياق يقول أحد تجار البهارات في القدس: "سابقاً، كنت تسمع كل اللّهجات الفلسطينية الخليلية والنابلسية، الجنوبية والشمالية والبدوية، اليوم ما بتسمع إلا لهجة أهل القدس ولهجة الأجانب"، ويؤكد أن التجارة تضررت بشكل كبير، ويصف مرحلة ما قبل الإغلاق والجدار بأنها "أيام زمان، أيام العز"، حيث كان يبيع البهارات لمختلف المناطق. لقد كانت القدس مركزاً اقتصادياً جاذباً للمستثمرين ورؤوس الأعمال وللصناعات الصغيرة، وكانت حركة التسوق نشيطة، وكانت العديد من المنشآت الاقتصادية تعتمد فقط على سكان ضواحي القدس، أو على سكان الضفة الغربية. أمّا مع الإغلاق فقد تضررت المواصلات، إذ كانت حركتها نشطة بين الضفة الغربية والقدس، وتضررت كذلك العديد من المصانع الصغيرة والمراكز التجارية، التي اضطرت للانتقال إلى الضفة الغربية أو أجبرت على أن تغلق أبوابها نهائياً، مخلفة وراءها حالة ركود اقتصادي، وأوضاعاً اجتماعيةً قاسية.
ولم تعد القدس، على وقع هذه التطورات، تشكل مركزاً مشجعاً للعمل والاستثمار، فلم تعد السوق قادرة على استيعاب العدد الكبير من الباحثين عن عمل، وهو ما دفع بدوره العمال المقدسيين إلى البحث عن عمل خارج السوق المقدسية. وقد انعكس هذا على الحالة المعيشية للمقدسيين، خاصة في ظل تمييز وإجحاف يتبعه الاحتلال في مستوى الخدمات التي يقدمها إليهم، وخصوصاً التمييز في الميزانيات وتوزيعها. وحول هذا الموضوع يلخِّص د. نظمي الجعبة، أستاذ التاريخ في جامعة بيرزيت، الوضع بقوله: "لم تعد القدس تجذب المستهلكين أبداً، والكفاءات بدورها انتقلت إلى منطقة رام الله، فالقدس خالية حتى من منطقة صناعية، والمقاولين وخصوصاً مقاولي الإسكان تضرروا بشكل كبير في القدس، الكثير من المستثمرين ملّوا من عناء الحواجز فسكنوا رام الله، وبقيت القدس تعاني حالة تفريغ قاسية"، ويضيف: "باتت حالة القدس مزرية في ظل مدارس غير جاذبة، ترتفع فيها نسب تسرّب الطلاب، كما تحوّل المقدسيون المتسربون إلى عمال تنظيفات حتى يكاد يخلو شارع في القدس لا ينظفه مقدسي، كل هذا متوافق مع المشروع الإسرائيلي المتجلي باتجاهين: الأول، تشجيع الاستيطان وتسهيل حياة المستوطنين؛ والثاني، وضع العراقيل أمام المقدسيين. أمام كل ذلك فمستقبل المدينة هو مدينة مفرغة من سكانها الأصليين، ومن يتبق منهم يتم تجريده من الهوية الفلسطينية المميزة له".
التعليم الأكاديمي
يدرس أغلبية طلبة القدس في جامعات بالضفة الغربية، وقد بات مع سياسة الإغلاق والحواجز الوصول إلى جامعاتهم متعباً للغاية، مما يضطر قسم كبير من هؤلاء الطلاب إلى أن يقيموا بقرب جامعاتهم، وعدم العودة يومياً لمنازلهم بالقدس. لكن، وبالنسبة على القسم الآخر من الطلاب الذين يسافرون صباحاً على جامعاتهم ويعودون مساءً، فقد باتت الحواجز تشكّل تحدياً حقيقياً. تقول الطالبة رزان جبريل من بيت صفافا، تدرس هندسة الكمبيوتر في جامعة القدس في أبو ديس، إنها تخرج من البيت في الساعة السادسة والنصف صباحاً، لتصل إلى محاضرات الساعة الثامنة، كما أن طريق العودة يحتاج إلى ساعة ونصف على الأقل، هذا إذا لم تحدث مناوشات مع الجنود، الذين يحاولون دائماً استفزاز المقدسيين الذين يمرون عبر معبر "الزعيِّم" الذي يفصل العيزرية عن القدس، علماً بأن الطريق من دون حواجز لا تحتاج إلى أكثر من نصف ساعة". قد تكون رحلة المعاناة هذه أصعب لمن يدرس في جامعةٍ أبعد من جامعة أبو ديس، يقول الطالب كنعان الغول من سلوان، ويدرس التربية في جامعة بيرزيت، إنه يستيقظ يومياً في الخامسة والنصف صباحاً، ويخرج من البيت في السادسة كي لا يتأخر عن محاضراته، وبوجه عام، فإن الطريق تحتاج على الأقل بين ساعتين إلى ثلاثة ساعات في كل اتجاه.
تعرقل وتؤذي هذه المعاناة المسيرةَ الأكاديمية، إذ إن الطالب بعد ساعات السفر يصل إلى البيت مرهقاً لا يقوى على التركيز وعلى متابعة دراسته، كما أن أربع إلى خمس ساعات سفر يومياً تكون قد التهمت ساعات اليوم ولم يتبق من وقت لمزاولة نشاطات الحياة اليومية. تهدف سلطات الاحتلال الإسرائيلي من هذا كله إلى عرقلة المسيرة الأكاديمية الفلسطينية في القدس، على رأسها قطع العلاقة الأكاديمية بين الضفة والقدس، وهو ما ينجلي في فتح الجامعة العبرية أبوابها للمقدسيين، لكي تخلق بديلاً يوقف تدفق الطلبة المقدسيين إلى جامعات الضفة الغربية. ولأجل إتمام هذا المشروع كان لا بد من خلق البديل، بحيث يكون بديلاً يحمل مضاميناً إسرائيلية: الراحة في مقابل المعاناة، والقرب في مقابل البعد، والتقنية والتطور في مقابل البدائية، وبهذا تصير الجامعة العبرية في القدس طوق النجاة الذي قد ينقذ الطالب المقدسي من مرارة الطريق وصعوباته، بحيث يستطيع المقدسي، على خلاف الإسرائيلي المُلزم بامتحانات "البجروت"، أن يتقدم للجامعة الإسرائيلية بما يثبت أنه درس اثني عشر عاماً تعليمياً، وبتحصيل معدل جيد في "السنة التحضيرية" (المخيناه في العبرية)، ممّا يؤهله في النهاية إكمال دراسته الأكاديمية.
الثقافة
تعتبر الثقافة، بما فيها من عادات وتقاليد ومعتقدات وحِرف وصناعات، وطقوس، وفولكلور، وأساطير، وأنماط حياة، وفنون، ومنتجات مادية، وعمران؛ إحدى أهم معاقل المواجهة بين المُستعمِر والمُستعمَر. فهي البناء المميِّز للأمم والشعوب والجماعات، وهي التي تحفظ هذه الكيانات من الاندثار والزوال، وتبقيهم وجوداً حياً وفاعلاً، وقادراً على المقاومة ضد الغزوات الخارجية. لذا ليس من المبالغة القول إنَّ كل أنماط الثقافة الفلسطينية وتجلياتها في القدس باتت في خطر نتيجة للسياسات التهويدية. فمن الواضح أنَّ عزل القدس عن امتدادها الفلسطيني، وقطع أواصر العلاقات وفتح أبواب العمل والتعليم للمقدسيّ في المؤسسات الإسرائيلية يعني تسريب أنماط وأشكال ثقافية جديدة إلى مخزونه الثقافي – المعرفي، مما يشكّل حالة من الاصطدام الفكري بين أفكاره وثقافته الأصيلة، وبين ما يتم تسريبه من أنماط ثقافية إسرائيلية، ممّا قد يخلق لاحقاً حالة اغتراب، تتجلى في انعدام المرجعية السلوكية المُشكِّلة للتصرفات الفردية. إن هذه حالة تستوجب "أمناً ثقافياً" تتضافر فيه كل الجهود من مؤسسات وجمعيات ونخب سياسية وثقافية، إلاّ إن الوضع في الحالة المقدسية كان قد شهد تعقيداً إضافياً، تمثَّل في قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي باستباق إحداث مثل هذا "الأمن الثقافي" بإغلاقه مختلف المؤسسات والجمعيات الفلسطينية المتواجدة في القدس سنة 2000، ثم تلاها سنة 2005 مصادقة هذه السلطات على قانون منع السلطة الفلسطينية من القيام بأي نشاط رسمي في القدس، ويمثل "مسرح الحكواتي" نموذجاً حيّاً لهذه السياسة، إذ منعته السلطات من إقامة مهرجان أدبي لاشتباه سلطات الاحتلال بكونه تلقّى تمويلاً من السلطة الفلسطينية، وعليه فقد استضاف المركز الثقافي الفرنسي حفل افتتاح المهرجان.
إلى جانب ذلك فقد باتت مشاركة الفِرق الفلسطينية، سواءً الثقافية منها أو الفنية، في مهرجانات القدس وحفلاتها مشاركة متدنية، وهو ما يتسبب بتغيير برامج عروض كثيرة بشكل جذري، أو إلغاء مشاركة الفِرق الفلسطينية من خارج القدس، كي تتلاءم الأعمال الثقافية والفنية مع الواقع الجديد. ويمكن في هذا السياق ملاحظة ازدياد عدد الفرق الأجنبية، التي باتت تشارك في مهرجانات القدس على حساب الفِرق الفلسطينية. يعلِّق أستاذ علم الاجتماع في جامعة بيرزيت خالد عودة الله، على هذا الجانب بالقول: "إنّ ما يجري في القدس هو هندسة ثقافية اجتماعية، يسعى الاستعمار بها ليس إلى تغيير صورته لدى المُستعمَر فحسب، بل إلى تغيير صورة المُستعمَر عن نفسه أيضاً، وهو ما تتضافر لأجله جهود المُستعمِر بما فيه وزارة التربية والتعليم، ووزارة الداخلية ومختلف الأذرع الأخرى"، ويضيف عودة الله: "تعيش القدس حالة مكثفة من الهندسة الاجتماعية، وما يجري ليس عملية أسرلة، بقدر ما هو محاولة لإخراج المقدسي من دائرة العداء لإسرائيل، وربطه بنظام الاحتلال الاستعماري، الذي لا يسعى لإفراغ القدس تماماً، فهو بحاجة لتواجد الحد الأدنى من المقدسيين لئلاّ يظهر مشروعه كتطهير عرقي، وعليه يضمن بعض الأخلاقية التي تعزز بدورها روايته الاستعمارية، وتوفر له في الوقت ذاته راحة الضمير". أمّا عن أواصر العلاقات بين الضفة الغربية والقدس، فيقول عودة الله: "فكّ الارتباط مع القدس هو تسهيل لهندستها، الحاجز ليس للمنع فقط، نحن ننسى الناس المسموح لهم بالدخول، لأنها حالة تأديبية لا تقل عن عملية المنع ذاتها، فهي تحويل الداخل إلى مراقب لنفسه ليحافظ على علاقة طيبة مع النظام، فإذا كان ابن عمّه مشبوهاً، يقوم بتحديد علاقته مع ابن عمه".
مرافق الحياة اليومية
لقد بات مشروع الاحتلال واضحاً، فالمرحلة الأولى منه تمّت بإغلاق الجمعيات والمؤسسات الفلسطينية في القدس، لينتقل المشروع لاحقاً إلى بناء الجدار، الذي أرهق العلاقات الاجتماعية وأفرز ديموغرافية جديدة تقوم بالأساس على الأمن الإسرائيلي، وعلى تفتيت البُنى الاجتماعية الفلسطينية، ومن ثم دفع المقدسيين (الجيدين بالتعبير الإسرائيلي) نحو الاندماج بالمؤسسة الإسرائيلية. وقد هدف هذا المسعى إلى تفتيت الهوية الثقافية للمقدسيين، وإجبارهم على ترك القدس عن طريق سحب هويات الإقامة من أكبر عدد ممكن منهم، ووضْع عراقيل عديدة أمام حياة طبيعية لهم، كملاحقتهم بضريبة الأرنونا وبغيرها من الضرائب والغرامات، ومثل تعقيد شروط الحصول على رخصة بناء أو ترميم، وعلى لمِّ شمل العائلات.
أمّا المرحلة التالية فكانت بدفع المقدسي إلى "المرافق الإسرائيلية" عبر العديد من السياسات، كفتح سوق العمل الإسرائيلي أمام المقدسيين، وتهيئة السوق الإسرائيلية ذاتها لاستيعاب المقدسيين، بحيث تتحول وجهة المقدسيين إلى السوق الإسرائيلي، هذا ما يمكن ملاحظته قبل أعياد الفطر والأضحى وعيد الميلاد، إذ تتزين المراكز التجارية الإسرائيلية، كمركز المالحة التجاري، ومركز مأمن الله، والمحال التجارية في شارع يافا، بما يلائم حاجات المستهلك المقدسي في عيده. كما أن هذه السوق ذاتها باتت تستقطب العمال المقدسيين، مع ملاحظة فروق الدخل بين العامل العربي والعامل اليهودي. ورغم ذلك، فما بين الضفة الغربية أو القدس، تصير القدس هي البيئة المفضلة للعامل المقدسي بما فيها من قرب جغرافي، وفارق مادي ملحوظ. إنّ ارتباط المقدسي بالمؤسسات الإسرائيلية، مثل البنك، والبريد، وشركة المياه، وشركة الكهرباء، ودائرة الضريبة، ومن ثم سوق العمل والمنهاج الإسرائيلي الهادف إلى إعادة التنشئة في المنظور الإسرائيلي، يشكّل اختراقاً اجتماعياً وفكرياً وانتمائياً للمقدسيين، الأمر الذي يمكن استشرافه من مختلف الشواهد الإجرائية التي اتخذتها إسرائيل مؤخراً.
يتكلّل هذا المشروع بالتجنُّس، فلم يعُد خافياً اليوم السهولة التي يتم بها تمرير طلبات التجنُّس، إذ يكفل القانون الإسرائيلي حق طلب الجنسية الإسرائيلية لسكان القدس، ليتحول المقدسي "المقيم الدائم" وفْق القانون الإسرائيلي إلى "مواطن إسرائيلي"، ولكن بالغربلة عبر ميزان الأمن والمخابرات الإسرائيليين. إن "المقيم الدائم"، وهي الوضعية القانونية للمقدسي، تعطى بوجه عام إلى المواطنين الأجانب، الذين يزورون إسرائيل ويطلبون رسمياً حق الإقامة فيها، وبالتالي فإنّ الدولة تمنح هذا الحق "كرماً" منها، بشروط بسيطة، كعدم وجود أية سوابق لأعمال تشكّل مخالفة أمنية، وإجادة متواضعة للّغة العبرية، وأمانة صاحب الطلب "للدولة"، وعليه، ووفق هذا القانون، يتحول المقدسيون إلى مواطنين بمحض الكرم والمنّة الإسرائيليَيْن.
إن كل هذه الدوائر التي تُمعن إسرائيل في رسمها، تؤكد أنها تريد من عملية السلام العملية ذاتها وليس السلام نفسه، فكسب الوقت في ظل مجتمع دولي لا يسعى لفرض القرارات الدولية، ولا لإلزام إسرائيل باحترام ومراعاة القانون الدولي، يمكن أن يفرض وقائع على الأرض تكون ورقة رابحة في أي مشروع تفاوضي قادم، وما يمكن قوله إن رسم معالم الهوية المقدسية والسعي لإفراغها من مضامينها وضخّها بالمضامين الثقافية الإسرائيلية، يعني أن إسرائيل ماضية في فكرتها حول القدس الموحدة. ومما لا شك فيه أن للمقدسيين في تجربة فلسطينيي ال48 خير مثال للحالة التي قد يكونون عليها بعد أعوام، إلا إن حالتهم رغم ذلك تبقى أكثر قسوة نظراً إلى كونهم يعيشون في المدينة المقدسة، لبّ الصراع، وبالتالي فإن الخطوات متسارعة أكثر، كما أن الصراع أكثر حدّة وخطورة، وهو ما يجب على الجميع سواءً السلطة الفلسطينية أو المجتمع الدولي، بما فيها الرباعية الدولية، أن تحرك ساكناً باتجاه تطبيق قراراتها المتعلقة بالقدس، لئلاّ يضيق الوقت بأصحابه فلا يُعرف ما يكون بعدها في ظل مناخ عربي ثوريّ، بات يفرض هواجس الثورة، والقدس ليست ببعيدة عن الخيال الجمعي للشباب العربي.

  "حوليات القدس"،  العدد 12،  "مؤسسة الدراسات الفلسطينية".

الأربعاء، 25 يوليو 2012

سيرة خائب


سيرة خائب...


1



كان هذا قبل أن يشتد السؤال، وينتفض التيه، قبل أن تشتعل الألوان، أو تزغرد الأصوات، أو ينتشي الاختلاف ليعلمه الفارق بين الشيء وليسه، ويسخر المعنى من كل لفظ .

لم نكن فتية ولم يكن دوقيانوسَ من خلفنا، كنا قبل أن يكونوا أو نكون.

كنت أصغي للمسافة تقترب مني، تصفعني، تغتال الخطى فيَّ، تشد بضيقها فلا أرى أين المسير إذا انفجرت فيَّ الحدود، وقد رأيتني ألين مع كل فجر، تَسُللُ الضوء من ثنايا قمقم يلغي ميلاد الرغبة، فأقول غداً قد يكون.

بين صخر أصم تناثر، لحم وعظم ودم، وقيء، وبصاق، ولهاث،وحلم يلامس المخيلة ليرى غير ما يود أن أرى، أو غير ما تشتهي الأشياء أن يرى.

لا بد من مخرج كان قول، لا بد من إطار غير الإطار، لغة غير اللغة، لا بد من شيء آخر  كذرى سرمدية تفتق شرايين العزم حتى مغيب الضوء مرة أخرى.

أنا وإن طفح الكيل بناظريَّ عاجز حتى تكتمل الشروط، لكني أقسم بما يقهرني أن أستوفي حاجتي وأهب نحو السؤال على فظاظة الجواب وعنف الحقيقة، إذا كانت.

وجوه ،إشارات، ضيق على ضيق، في البدء كنت أنا . في البدء لم يكن سواي.



**********



أربعة جدران ، منعطفات وانحناءات والتواءات، دودة تمر دون أن تعير الوجود اهتماماً، مطر يتساقط من سقف صخري،ضوء في البعيد يضيء ويغيب، يغيب ويضيء، عصافير تلقي بزقزقتها وتسكن.شخوص تأتي لتمض.

هنا تفتحت فصول الحياة، طفل كان يشب على أسئلة تحرج الكبار ولا تحرجه، أغاني تغلي في داخله ومعانٍ لا تنضج مثل صخر تغليه امرأة لأبنائها وليس بفاروق هنا ليحسم الموقف، أنا طفلها الأخير، صبيها الأخير، شوق جائع لكسرة خبز، وحنين ملهوف لمجير.

تدنو مني تدانيني، تقول أن العمر منقضٍ، تقبض حكايتين وتهوي باستفهامها علي. لم يبرح الزمان ظفري لم يشتد العود بقدر الوجود. قال قائل : " ما كانوا سوى ظلين كُسرت الشمس ذات يوماً فاختفوا ".



**********

من بيت أبي الخليل إلى سروة على منعطف حارة، هناك تعلم اسمه، وهناك فارق غيمة كانت تستهوي الريح لتمضي في غرور حملها، حقلين من السمسم ورمانة تطل من سور حديقتها. لن يرتضيك هذا الزمان بطلاً متأخرا.

سير خفيف ،شارع الجبل لا يعود منه إلا الغريب، الكل ذاهب إلى مستقره، لا شيء يشبه القلب سوى محطات السفر، لا شيء يشبه القلب سوى الواحات يعبرها الراحلون ولا أحد يقيم.

هذه صحراؤك فتعلم لغة السيوف وخذ لباسك من الظأن، اشرب لبنة التفاصيل وألبانها ولبانها وعلم يراعك كيف يشتد اليراع، هو السفر إذا قفر لا يُطاع، وقد علمتك الصواري حكمة الضواري، لا يُشبع الزحف إلا الشراع.

مضى. كان الحصى يتكسر تحت رجليه، وعلى جانبي الطريق نبات شائك إذا أردت الاختلاف سبيلا، لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه، تذكره الفقيه وما تذكر، هي غواية الغيب واستلاب النظر، مضى يتقافز بين الحفر، لم تكن قال قائل : لم تكن عيناً قبل الأثر.

**********



شارع الجبل لا يعود منه إلا الغريب، وبيت أبي الخليل. نسَّاج يحيك الليل كي لا ينفد إلى صدره لهاث خفيف، أدركه السعال فنفث هواء تبخر في خروجه ليتطاير دوائر ملتوية تعلن وقف المدى وانكسار الهتاف.

عدلت من جلستها قبل أن تنظر في وجهه، كانت تراقب دوي نظراته، قلقه، ارتباكه، وحقيبته الصغيرة. كانت تتعلمه في آخر مجالات العبارة، في نشور المجاز، والتقاء الاستعارة، كانت تراقص لوحاته، كانت ترسل شعرها قصفة زيتون والطوفان يلتهم الحياة ويتجشم، كانت تزغرد قبل أن يودع الجثمان في غياهب شكل آخر، كانت تنتفض، كان يهتف، كانت تصرخ، كان يزحف، كانت تغني، كان يرتل، كانت تهوي، كان يتجلى، كانت. لم يكن.



**********

الحياة، الموت، وهو، بين حدين كان، يرقب حياته وموته، كان ينظر من حاجز شفاف كطفل يرتب أمنياته خلف زجاج حانوت، كان ينظر إلى تفاصيله، إلى اشتعاله وخبوه، اضطراب في جوفه، كنمل يسري فيه، يتحرك، يضطرب، يتلوى، يخرج من فمه غبار كثيف، يخرج حصاً وكلاماً وأغنيات وصلاوات وتغاريد، يخدش الزجاج بيديه كي يخرج من الثنائيات كي يحيا أو يموت، يمشي بينهما وليس بصراط تحته كي يهوي إلى أحد الجانبين، انهار ثقل القيم فلم ينصفه من الثقل شيئا، كان الطريق يقتلعه كنبتة. كأصول بقل، ونخل أبي العلاء أقصر، كان يسرج اغتراب غيابه، واهتراء جرابه، وتذكرها فجأة، وتذكرهم جميعاً، وتذكر أنه ... لم يكن ذات يوم يتذكر ...!



**********

لم يكن يود أن يقول شيء، لم يكن يود أن يقول كل ما قيل، لم يكن يريد أن يحكي عن الأصدقاء الذين لم يراهم من سنين، أو عن الغربة التي وصلت إلى قاع جوفه، أو عن المرارة التي يحسها في داخله مع كل زفير، لم يكن يريد أن يحكي عن شوقه للبلاد التي لم يغب أصلاً عنها، لم يكني يود أن يحكي كما هو مشتاق لأن يسمعه في هذا الوجود شخص واحد فقط، وأن يعود ليحكي بلسانه كما كان سابقاً، حين نسي متى كانت آخر مرة استخدم الكلام فيها وسيلة للتخاطب، لم يكن يريد أن يعترف كم هو مشتاق لأمسه، وأصدقاء أمسه، وكتب أمسه، وجيران أمسه، وبيت أمسه، ودروس أمسه، وأحلام أمسه، وخيبات أمسه.

 كل ما أراده أن يحدق بسخرية حتى يموت، أن ينظر إلى هذا العبث ويضحك، يضحك حتى تحفر الدموع خندقاً في مآقيها، حتى ينبلج العبث عن ذروة الانتهاء، حتى يسفر في امتطاء ظله، حتى ترد الإبل رمشه، لتحدق في مصابها ومصيبها، حتى يقفز الطفل جلاداً فوق صليبها، حتى يرتجف إبراهيم برداً في لهيبها، وحتى تعود القوافل عن مَغيبها ومُغيبها.





 كان يتذوقها، يحفظ شكلها، طولها وعنفها، تضاريس جسدها، منحنيات صدرها، ايماءات وجهها، انبهارها، وانهيارها، وانتصارها، نبرة صوتها، بحتها، لهاثها، ارتجاج حنجرتها،  لغة عيناها، معانيها وتأويلها، كان يود أن يقول شيء، لكن القارب لا يتسع لكليهما، والرقم لا يغير من حكمة المسار شيئاً.

ظلال كانوا، وكانت. أسماء تمضي وتروح، شمس تخفي ظلمتها، ربيع يكشف عن شتاء قاسٍ، عشق يختبأ الرحيل في جوفه، ابتسامة يتسلل الرعب فيها، جدران جوفاء، صخر  كعهن منفوش، كان الكل ولم يكن.

وحدها كانت دودة تمضي بجانبه لا تعير الوجود اهتماماً، تذكر أنه  لا يخاف أن يتذكر ، لكنه مذ اليوم لن يتذكر.


الثلاثاء، 24 يوليو 2012

خرائط تاريخية لفلسطين

خرائط من أرشيف الجامعة العبرية:


قمت بتصغير حجم الخرائط لأجل ادراجها في المدونة، ويمكن الحصول عليها بالحجم الأصلي








السبت، 21 يوليو 2012

أن تعود من الموت

أن تعود من الموت...


أن تعود من الموت، ونشيد الله في دمك، ها أنت لم تجد مرة أخرى خيمتك، لا صحراء من عهد طائي تردها، ولا سيف ابن وليد ينصرك، أن تعود من الموت لا أصدقاء لك بين الموتى، جثث ترتبها بعض أرواح تناثرت بين الغيم والتراب، وأنت تعرف كي استظل النبي بالبندقية، وكي تنكر الكمين للشيخ، أن تعود من الموت كي تجد الغثاء يلم الغثاء، لا قافية للشعراء ولا لحنٌ للمغنيين، لا معرفة للعالم، ولا صلاوات في الجوامع، أن تعود من الموت لتتمناه، وأن ترجع من المنفى لتبكيه، وأن تصلي كي يحيا النقيض، أن تعود من الموت لتتسائل عن الحي الذي لا يموت وعن الميت الذي لا يحيا.


فادي عاصلة

الجمعة، 20 يوليو 2012

يا جليلة

يا جليلة ...
ها أنت يا جليلة رضيت بالعلم شريكاً، لكن القرية لم ترض لك به، وراسلت العلماء حتى بت تعيشين بين الاضبارات ولفافات الورق.

ها أنت يا جليلة، تكبرين، وتكبر فيك الأسئلة، تخرج تقشر طفولتها، ثم تخدش البراءة التي كانت خلفها، نحو أسئلة الوعي الكبرى، أين المرأة من أطروحات الفقه، وأين فقيهنا من الاجتهاد، وأين الجهاد وأين وأين.

لكنك يا جليلة تخرجين من أسئلة الوعي، ومن دوائر العلم، نحو همومك الشخصية الصغيرة، تنظرين في المرآة لترين الأنثى فيك، شعرها الفحمى المتدلين على كتفين متناسقين، ينسابان بألق ليلتقيا في منتصف التقاء مع رجلين كشعاعين في ليل ضليل. تحدقين لترين كيف ذبلت عيناك سريعة، وقد اعتقدت أن الوقت يطول، لكن الأشياء في انتهاءها أسرع منها في انطلاقها.

تنظرين إلى عمرك، يتآكل سريعاً، تسمعين همس جارتك : " قد بارت الفاتنة "، وتعرفين في أصول لغتك العربية أن البوار هو الهلاك، تبكين في صمت، ولا تسائلين الأمل، لأن كرامتك تأبى أن تُلدغ من جحر مرتين.

بلغت الثلاثين يا جليلة، فهل فكرت لما أنت مقبلة على العلم بهذا الشغف ؟ أهو النقص يا فاتنة ؟ لتصارحي ذاتك، أهو رغبة في إخفاء أشياء أُخرى ؟ لما تبكين إذاً كلما سمعت بكاء طفل ؟ ولما تنظرين في المرآة مراراً ؟ ولما تسترقين النظر من خلف شباكك إلى الشارع الذي لا يمر فيه أحد ؟

يا جليلة ما كل ما يتمنى المرء يدركه، ولكن ماذا أدركت يا جليلة ؟ ما تجدي علومك يا جليلة في هذا البلد القفر ؟ فالقرية لا تسمع إلا الرجال، والكتاب لا يعلم فيه إلا الرجال، والموت لا يواجهه إلا الرجال، فما لك وللعلم وللقرية ؟ كآنية أنت يا فاتنة، لست أكثر من ذلك، يا فاتنة والوقت يمضي فاذكري هذا

الخميس، 12 يوليو 2012

لم يقل الراحلون وجهتهم


رحلة الراحلين...



لم يقل لك الراحلون وجهتهم

لا وجهة للراحلين

وسائلت الجهات كلها

أتثقلك الجهات يا صديقي، أم الحنين ؟

أم الذين زرعوا روائح العشق فيك

وانطفئوا مثل الآخرين

لم تنتصر حتى في لغتك

لا نصر للغات أمام السنين



لم يقل لك الراحلون، لا وداعاً، لا سلاما

لا تلويح يدٍ في المدى، لا كلاما

خوفي على حزن الغريب

إذ تسامى

خوفي على خوفي

إذا ما الخوف استدامَ

وخوفي على خطوتي

ليس لها أمامَ



لم يقل لك الراحلون وجهتهم

ولم يخلفوا سوى الحزن

وفي الحزن المراح

كأنهم مثل برق في المدى لاح

واختفوا كما الدهر، حين يعلمك فن المزاح



 فادي عاصلة




جريدة فلسطين بين الهوية العثمانية والفلسطينية 1911 - 1914





تعتبر الصحافة عامل مهم في البناء والتواصل، وإذا كانت مهمتها تقتصر على إيصال ونقل الأخبار فلا يمكن إغفال حقيقة كونها محرك ومُجيش للشعوب وجزء مهم في صياغة الرأي العام. وهو ما يمكن ملاحظته من خلال دور صحيفتي الكرمل وفلسطين في كشف المخططات الصهيونية مبكراً.

وعليه فقد تجاوزت الصحافة دورها كناقل للخبر نحو صنعه، ومن محايد مراقب إلى لاعب أساسي في صناعة الحدث، وهو ما يمكن ملاحظته من صراعات بين صحيفة فلسطين والصحف المدعومة من الحركة الصهيونية، وعليه فقد تحولت الصحافة إلى جبهة لا تقل ضراوة عن قرينتها في المعركة، وهو ما دعى إلى ملاحقة وتعذيب الصحفيين، إن إعادة قراءة جادة للتاريخ تحتاج إلى الإطلاع على دور الصحافة كفاعل أساسي لا يمكن تجاوزه، هذا ما يمكن استجلائه من خلال أثر الاعلام في إعادة تشكيل المجتمع وصياغة توجهاته الاجتماعية من خلال منظومة من الطرائق التي يستخدمها الاعلام لاجل صياغة فكر المجتمع وتوجهاته، سواء من أطروحات بودريار من بودريار الذي كان جذري التطلع في نسف كل المنظومة الاجتماعية على اعتبارها مصطنعة مخلوقة ضمن التكنولوجيا الحديثة[1]، وصولاً إلى بيير بورديو ورؤيته للإعلام كمتلاعب بالعقول وجملة الأدوات التي وضعها بورديو هي مدخل جيد لفهم توجهاته ( اعتبر الاعلام يتلاعب بالعقول من خلال التضخيم والحجب والابراز والحذف للأخبار )[2].

من هنا يأتي بحثنا في محاولة لقراءة جريدة فلسطين ومحاولتنا، بمعنى استكنان مضامينها، خاصة في موضعتي الصهيونية والدولة العثمانية.

تعتبر جريدة فلسطين أحد أهم الصحف الفلسطينية، والتي انطلقت بعد الاصلاح الدستوري بثلاث سنوات حيث بدأت تظهر في العام 1911، ورغم هذه الفترة المبكرة ومع القوانين العثمانية الكثيرة والرقابة المستشرية إضافة إلى الواقع التعليمي السيء ونسبة الأمية المرتفعه، إلا أن الجريدة استطاعت أن تحقق انتشار واسع بين الفلسطينيين.

وعليه فهذا البحث يسعى إلى فهم وضعية الصحافة الفلسطينية في تلك الفترة التي انطلقت بها الصحافة الفلسطينية، بمعنى أن يحاول أن يرى جريدة فلسطين أفقياً من خلال السياق التاريخي، مقارنة بالصحف والحراك الاعلامي والسياسي آنذاك، وعمودياً من خلال الجريدة ذاتها. ولكن هاجس البحث الأساسي هو معرفة كي تعاملت الجريدة مع قضيتين مهمتين وهما قضية الدولة العثمانية وما تحمله من تفصيلات سواء على صعيد التوجهات السياسية، القضايا الكبرى، التوجهات المحلية، والقضية الثانية هي قضية الصهيونية ومشروعها الاستعمار الذي بدأت بالتحرك في الفترة ذاتها.

كما أنه من المهم محاولة امتلاك فهم حول وضع الجريدة في قضية الاحباط الذي أصاب الشارع الفلسطيني من النهج العثماني، خاصة خيبة وعود الإصلاح الدستوري عام 1908. وموقفها من الجو العربي العام وتنامي فكرة القومية وتفشيها بين صفوف النخب والمثقفين العرب.

وتعود أهمية الموضوع إلى حاجة فهم التاريخ من خلال الإعلام كونه فاعل أساسي بحيث تعني إعادة قراءته فهم جوانب أخرى في قراءتنا التاريخية.

لذلك سيعتمد البحث المنهج التاريخي الوصفي التحليلي، بحيث سنعود إلى المراجع التاريخية التي تحدثت عن الموضوع ثم العودة إلى النصوص الأصلية لعينة صحفية، وعليها سنقوم بوصفها وتحليلها للخروج بنتائج ومعلومات تثري معرفتنا بها.

فعلى الرغم من سياسة الدولة العثمانية في التضييق على الصحافة ومراقبتها، الا ان صحيفة فلسطين استطاعت ان تأخذ دورا رياديا.

هل يعود ذلك الى سياسة المعارضة للوجوزد الصهيوني على ارض فلسطين التي تبنتها صحيفة فلسطين مما منحها دورا رياديا.

فيما يخص الصعوبة الأساسية التي تواجه الباحث في هذا المجال هو حجم الجدل الذي يخص تلك الحقبة التاريخية وهو ما انعكس في التورط الأيدلوجي للكثيرين سواء على صعيد مؤرخين أو على صعيد الصحفيين أنفسهم، وبذلك فكانت الصعوبة في الصراعات الدائرة بحيث أن هذا يخون ذاك، وذاك يتهم غيره، وهذا مع الدولة العثمانية، وآخر ضدها، بالتالي يصعب بناء تصور حقيقي عن الصحفيين وأدوارهم وكفاءاتهم، وبالتالي فكل هذا الصراع بحاجة إلى فرز تاريخي وتدقيق مضن وشاق لفهم الصورة أكثر

إضافة لذلك فإن المصادر التاريخية حول تلك الفترة هي محدودة جداً ولا تزيد عن خمسة، فيما الباقي هو مراجع بمعظمها تكرار لما قد  ذُكر سابقاً.

كما أن هناك صعوبة تضاف إلى ذلك، وهي قضية قدم  الجرائد بحيث أن قسم كبير منها بالٍ، بحيث زالت أثار الكتابة والخطوط وبات من الصعب قراءة الصحيفة كاملاً، وبعض المقالات لا يظهر منها إلا أسطر قليلة بحيث يصير اجتزاء بعض ما قيل في هذه الصحف ضرباً من المجازفة العلمية كون الاجتزاء قد يُقوَّل النص ما لا يود أن يقوله.

بحث الكثيرين في تاريخ الصحافة الفلسطينية، فمن المتقدمين الباحثين في ذلك الكونت فيليب دي طرزاي والذي كتبت تأريخاً للصحف وإصدارتها في أربعة مجلدات، محاولاً بناء موسوعة صحفية قدر المستطاع، كما ذهب في ذلك العديد من الكتاب والمؤرخين كدراسة يعقوب يهوشع تحت عنوان تاريخ الفلسطينية هو وصف شامل للصحافة الفلسطينية منذ التأسيس لذا هو يعتبر تاريخا وصفيا بحت، اما عايدة النجار في دراستها صحافة فلسطين  كيوسف خوري، ويعقوب يهوشع، وأديب مروة، وأحمد خليل العقاد، إلا أن جميعهم بالمعظم اقرب من الوصف إلى النقد والتحليل. كما كتب في ذلك عايدة النجار التي حاولت في كتابها صحافة فلسطين والحركة الوطنية أن تقترب أكثر من موضوع متخصص على خلاف الآخرين. وعليه فإن ما مرد بحثنا كون فكرة الانفصال والهوية الفلسطينية مرت مرور الكرامة في الأدبيات التي تناولت الموضوع، وعليه يأتي هذا البحث في محاولة تحليلية لاستكنان المضامين.

ولأجل الوقوف على هذه القضايا ومحاولة الوصول إلى إجابات تقارب العلمية، ارتأينا أن ندرس تاريخ الصحافة الفلسطينية مذ العام 1876 وصولاً إلى الحرب العالمية الاولى عام 1914 مع ما تحمله من مفاصل رئيسية، وعليه فقد كان هذا هو موضوع الفصل الأول.

ثم يأتي الفصل الثاني للبحث في سياسة التحرير لجريدة فلسطين وموضوعات فيما يتعلق بالدولة العثمانية في القضايا المحلية والقضية الكبرى، وحاولنا درس ذلك من خلال رؤية الجريدة للمناسبات الوطنية، لقضايا الجندية، للصراعات الاقليمية، للصراعات المحلية، للرموز العثمانية.

أما الفصل الثالث فيأتي لدراسة سياسة تحرير الجريدة فيما يتعلق بالقضية الصهيونية، وموقف الجريدة من ذلك، ودورها في ومساهمتها في هذه القضية محاولين الاحاطة قدر المستطاع بالمحرك الأساسي الذي تنطلق منه الجريدة.

على أثر ذلك ستكون النتائج مقرونة بسيرورة البحث وما يفضي إليه بحثنا، علماً أن البحث سيعتمد في الفصل الثاني والثالث على قراءة مستفيضة في أرشيف الجريدة الكامل بين السنوات 1911 – 1914.

الفصل الأول:


نشأة وتطور الصحافة الفلسطينية من سنة 1876 – 1914




يؤرخ لتاريخ الصحافة في فلسطين في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، من خلال صحيفتي " القدس الشريف "، " الغزال " الأولى باللغة العربية والثانية بالتركية، وقد صدرتا في العام 1876، كصحف عثمانية اقتصرت مهامها على نشر الفرمانات والأوامر التركية الرسمية[3].

 فيما ذهب البعض إلا القول أن أقدم جريدة فلسطينية هي جريدة " النفير العثماني " التي أنشأها إبراهيم زكا عام 1904 ، لأنها كانت أول جريدة يصدرها فلسطيني باسمه،وقد كانت تبحث في العديد من القضايا سواء العلمية منها والأدبية والسياسية، انتقلت من القدس إلى حيفا، حيث تغير أسمها لتصير " النفير " واستمر صدورها إلى حقبة الانتداب البريطاني[4].

بغض النظر عن الإسم والمسمى، إلا أن الواضح أن الصحافة الفلسطينية قبل الإعلان الدستوري عام 1908 لم تكن ذات شأن[5] بقدر ما كانت صحافة سلطانية متوائمة مع السلطة المركزية للدولة العثمانية ولم تكن مستقلة تحمل طابع ينتمي " للهوية " الفلسطينية. كما لم يكن من السهل الحصول على ترخيص لإصدار جريدة، فقد كان الطلب المقدم لاستصدار الجريدة يتنقل لسنوات عديدة في المكاتب الحكومية، مدفوعاً بالرشاوى، وعليه فان مُحصل الترخيص يُسمى " صاحب الامتياز "[6].

إن حالة جورج حبيب حنانيا في تحصيل تصريح لجريدته " القدس " تعطي صورة نموذجية عن أذونات الصحف، فبعد سبع سنوات من الانتظار وطلبين ومبلغ 200 نابليون دفع كرشوة سُمح له باصدار الجريدة مرتين في الأسبوع[7].

حالة الرقابة الشديدة والقبضة الحديدية التي اتبعتها الدولة العثمانية، انعكست في الصحافة والقيود المفروضة على صعيدي مزاولة العمل والمضمون، كقلة الصحف من جهة العدد، إضافة إلى أثر على صعيد المضمون حذا بالصحف أن تنصرف إلى البحوث اللغوية والأدبية تاركة السياسة جانباً[8].

على الجهة الأخرى كانت الدولة العثمانية في حالة يرثى لها، تتخبط بين صراعات داخلية وصراعات خارجية،. وجاءت إصلاحات 1908 والدستور الجديد الذي انبثق عن الصراعات الداخلية وضغط جمعية الاتحاد والترقي ونفوذها نحو إحداث تغيير دستوري مُشبع يحمل فيه توجهات ليبرالية ومستنيرة على الأقل على صعيد الدعاية. إلا أن كل محاولات الإصلاح لم تكن لتبعد الدولة العثمانية عن حتمية التفكك والانهيار،إذا كان الكبر قد أخذ منها مأخذاً كما أن حجم الخلل البنيوي المتفشي فيها، والساحة الدولية، أكبر من إمكانات الإصلاح [9].

أثمرت جمعية الاتحاد والترقي عن دستور جديد نص على إطلاق بعض الحريات، وحق إصدار الصحف، ووجوب إجراء انتخابات المجلس التشريعي. وكانت تلك الفرصة التي اغتنمها الفلسطينيون لتأسيس واستصدار تراخيص لصحف فلسطينية التي ستحمل الهم الفلسطيني بجانبيه الأساسيين الصهيونية وبؤس الإدارات المحلية[10].

على وقع الدستور الجديد اعتبر العام 1908 كانطلاقة للصحافة الفلسطينية، صدر في السنة ذاتها ما يقارب الخمسة عشرَ جريدة ومجلة ( اثنتا عشر منها في القدس، وثلاثة في حيفا )، كان أهم الصحف الصادرة آنذاك " الكرمل " لصاحبها نجيب نصار، ثم تبعها العديد من الصحف كفلسطين لصاحبها عيسيى العيسى، والقدس لجرجي حبيب حنانيا، والنفائس لخليل بيدس، والانصاف لبندلي الياس مشحور، والنجاح لعلي الريماوي[11].

ولكن رغم ذلك لاقت الصحف ما لاقته، من قلة القراءة، وقد تذمر أصحاب الصحف دوماً من قلة القراء، وهو ما يمكن رده إلى تركة الدولة العثمانية من إهمال للقطاعات التربوية والتعليمية، فحتى سنة 1914، أي ما بعد الإصلاحات، كان في فلسطين 95 مدرسة ابتدائية، وثلاث مدارس ثانوية، تضم 234 معلماً و 8248، فيما لغة التدريس الأساسية هي التركية. كما كان هناك 379 كُتاباً يدرس فيها 417 معلماً وتضم 8705 تلاميذ. وعليه فإن مجموعة ما يقارب الخمس عشرة ألف تلميذ، نسبة إلى مائة وخمسين ألف شاب وشابة تتراوح أعمارهم بين سبعة وثمانية عشر هي نسب شحيحة جداً[12]. وإذ دلت على شيء فهي تدل على حالة الإجحاف بحق القطاع التعليمي.

باتجاه آخر لم تكن المجلة بدورها غائبة عن الساحة الفلسطينية، إذ عرفت فلسطين إصدار أول مجلة عام 1905 وهي مجلة صهيونية تدعى " باكورة جبل صهيون "، ثم تبعها مجلة " الترقي " عام 1907 كمجلة تبحث في المواضيع الأدبية والاجتماعية، إلا أن " الأصمعي " كانت فارقة حقيقية، حيث أسسها حنا عبد الله العيسى في القدس واشترك فيها خليل السكاكيني،كمجلة أدبية متميزة، إضافة لمجلة " النفائس العصرية " لخليل بيدس وهي أدبية فكاهية ، ومجلة " الحرية " 1910 لتوفيق سمهوري وهي اجتماعية فكاهية قصصية، ومجلة " صهيون الجديدة " عام 1908 التي تأسست من قبل بطريركية الروم الأرثوذكس كمجلة دينية، ومجلة المنهل لمحمد موسى غرابي عام 1913 كمجلة أدبية تاريخية، واجتماعية[13].

بموازاة هذه المجلات، ظهر هناك حركة نشطة للمجلات المدرسية، كمجلة " الدستور " الصادرة عام 1910 عن المدرسة الدستورية، حيث قام بتحريرها خليل السكاكيني وجميل الخالدي، ثم تلتها " رائد النجاح " عن كلية الفرير والتي حررها موسى العلمي وانطون شكري لورنس[14].

على أثر ذلك تحولت الصحافة في فلسطين إلى قوة مساهمة في تنمية الحس الوطني، وتشكيل الهوية الفلسطينية، فقد طرح أصحاب الصحف مشكلات البلاد، منادين بالإصلاح كركيزة أساسية،مساندين المطالب الداعية بإنشاء حكم عربي مركزي، الأمر الذي كان لا بد له وأن يشكل نقاط تعارض واختلاف مع الدولة العثمانية، مما جعل الدولة العثمانية تلاحقها من جديد[15].

في 16 تموز 1909 صدر أول قانون للمطبوعات في العهد العثماني ، وحتى ذاك الحين كانت الصحافة تتلقى التعليمات المشددة التي لا تضمن استمرارية التراخيص للصحف[16]. ورغم ما حمله قانون المطبوعات من تضييقات إلا أنه كان يحمل هامشاً للتأويل بحيث يُنفد من خلالها.

وفق قانون المطبوعات العثماني، فإن صاحب الجريدة مسؤول عن كل ما يرد فيها، كما أنه ملزم بنشر كافة الإفادات من طرف ناظر المطبوعات أو الولاة من الخارج بدون أجرة، كما حرم قانون المطبوعات منع دخول أي صحيفة أجنبية تحوي بداخلها قدحاً في الدولة أو تعرض لأمورها، كما أن كل من يطبع ما يغاير الآداب العمومية ومحاسن الأخلاق الملية ويحتقر الأديان والمذاهب يغرم من ليرة واحدة إلى خمس وعشرين ليرة أو يحبس من أسبوع إلى ثلاثة أشهر، إضافة لذلك كل صاحب جريدة يستعمل ألفاظاً وتعبيرات غير لائقة بمقام السلطنة السنية أو بمقام السلطان أو يتعرض لحكومته يغرم من خمس وعشرين ليرة إلى مائة ليرة أو يحبس من نصف سنة إلى ثلاثة سنين[17].

لم يسعف التأويل والثغرات القانونية الصحف حينما كانت تتجاوز الحدود المرسومة لها، خاصة حين تحمل الصحيفة توجهاً ثورياً بحيث يغدو مقلقاً للسلطنة، من هنا لوحق نجيب نصار المُلقب بشيخ الصحافة الفلسطيني من قبل جمال باشا، حيث توقفت " الكرمل " عن الصدور، حتى 1920 حين كانت السلطة قد تفككت وبات التاج البريطاني صاحب الأمر[18].

كانت السنين التي أعقبت دستور 1908 مخيبة لآمال العرب، يقول عارف العارف : ( يتحدث عن الأتراك ) في حقيقة الأمر كانوا يتآمرون على هذه العناصر ( أي العربية ) ويسعون لإذلالها وقد أخذ هؤلاء الأتراك أي رجال تركيا الفتاة يبذلون قصارى جهدهم في تقوية العنصر التركي عملاً بوحي فكرة القومية الطورانية "[19].

انقضت إذاً مرحلة المصالحة وتكشفت المصالح الحقيقية للإتحاد والترقي ومن وراء مشروع التتريك، إذ بدأت غربلة الموظفين العرب في الدوائر الحكومية فاستغنوا عن بضعة ألاف، مما أثار العرب خاصة لدى ظهور مقالات في الصحف التركية تتحامل على القوميات الأخرى ما أثار الشقاق، حتى اتضحت ملامح الطورانية التركية التي تسعى لأن تكون اللغة التركية في المقام الأول[20].

لم تكن الصحف الفلسطينية غائبة عن هذه التطورات والأحداث، إذ خاضت الصحف معارك شرسة، طورد بعض الصحفيين وضرب آخرون، واعتقل الكثيرين، كذلك الأمر كان بالنسبة لصحيفة فلسطين التي أسسها عيسى العيسى ورغم تأخرها النسبي ( بعد ثلاث سنوات من صدور الكرمل ) إلا أنها أصبحت تنافس " الكرمل "، في حيازة أكبر شريحة من القراء، وكحال " الكرمل " فإن جريدة فلسطين انتقدت دون ريب، وهذا كان حالها في انتقاد متصرف القدس، الأمر الذي أدى على حجبها في 14 تشرين ثاني، لتصدر تحت أسماء مختلفة كالأخبار ثم الدستور[21].

كما كانت من جهة أخرى، إضافة لصراعها مع النظام الاستبدادي، كانت تصارع على جبهة التسلل الصهيوني لفلسطين، فقد نبهت الصحف الفلسطينية مبكراً إلا النوايا الصهيونية ومخططاتها، فقد تابعت الكرمل وفلسطين صفقات بيع الأراضي بالأسماء والأرقام والتفاصيل، كما تابعو نمو المستعمرات، والمؤتمرات الصهيونية في أوروبا، والنفوذ الصهيوني في الأستانة، وأقوال زعماء الصهاينة[22].

في ظل ظروف شاقة، وفي مرحلة تاريخية حرجة، أدار المحررون العرب جرائدهم، وقد كانت الجريدة في العهد العثماني تصدر بحجم صغير، وكل صفحة منها تحتوي على ثلاثة أو أربعة أعمدة، وعدد الصفحات لم يزد عن الأربع، كما أنها لم تكن يومية حيث كانت تصدر مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع وكانت تباع في أحياء المدينة، أما الاشتراك فيبلع مجيدتين ونصف للسنة[23]. كما أن الخبر المهنية كانت تنقص المشتغلين بها، نظراً لكونهم نخبة حاولت أن تبني لها موطئاً ورسالة في صنعة جديدة لا يعرفون صناعتها وأسباب نجاحها[24].

كما لم يكن العمل الصحافي ليضمن دخلاً مربحاً، لذلك ذهب الكثيرين منهم إلى أعمال أخرى بموازاة العمل الصحفي، كعلي الريماوي الذي كان موظفاً حكومياً، وكحاله أيضاً يوسف العيسى، فيما كان ايليا زكا مدرساً للغة العربية لطلاب اليهود[25].

رغم الصراعات العنيفة التي خاضتها الصحافة الفلسطينية المبكرة، إلا أنها أُغلقت جميعها عند اندلاع الحرب العالمية الأولى، كخطوة احترازية اتخذتها الدولة العثمانية، لتتوقف بذلك الصحافة الفلسطينية ولتعود ثانية لكن هذه المرة تحت نير الانتداب البريطاني[26].

بغض النظر عن التقانة، ومدى التناسق بين الصحافة كمهنة دخيلة، وبين الإلمام بها، إلا أن الصحافة الفلسطينية قد شكلت ركيزة أساسية لمرحلة ما بعدها، بحيث أنها استطاعت أن تحقق انجازات على صعيد التوعية والمعرفة، وعلى صعيد بناء أرضية سيكملها الجيل اللاحق الذي سيخوض لاحقاً صراعات وثورات دامية تكون فيها الصحافة أحد أدواتها المهمة، والتي ركائزها إلا العهد الذي طرحناها أعلاه.



الفصل الثاني :


جريدة فلسطين وتبلور الوعي القومي




تأسست جريدة فلسطين على يد عيسى داوود العيسى ويوسف العيسى، في 14 كانون الثاني من عام 1911[27].

وعيسى العيسى هو فلسطيني من واليد يافا ( 1878 – 1950 )، حيث درس في المدارس الفلسطينية ثم أكمل دراسته في الجامعة الأمريكية في بيروت، ثم زاول مهنة التدريس في القدس[28].

كانت جريدة فلسطين مكونة من أربع صفحات، وتصدر مرتين في الأسبوع، حيث كانت قيمة الاشتراك فيها عشرة فرنكات، وفي الجهات ثلاثة ريالات مجيدية، الصفحة الأولى تشمل افتتاحية سياسية أو إصلاحية بقلم يوسف العيسى، إضافة لأخبار الآستانة، فيما الصفحة الثانية تحتوي على أخبار الجهات وأخبار أخرى منوعة، أما الصفحة الثالثة فللأخبار الثقافية وأخبار محلية، فيما الصفحة الرابعة فكانت تحتوي على أخبار الصحف والإعلانات[29].

 ومذ بدايتها كجريدة عثمانية دستوية اتحادية، ومن هنا يظهر سعيها إلى خدمة النفع العام، دون أن تنقد هنا وهناك إلا أن نقدها هذا كان نقد خاص ومركز بحيث أنه موجه أساساً حول شؤون البلدية وانتخاباتها، مطالبة بإصلاح المحاكم، حاثة الناس على دفع ضريبة العُشر، مشجعة على زراعة وتجارة البرتقال[30].

وإن كنا في صدد ذلك نذهب إلى أكثر من ذلك، إذ في قراءة لأعداد الجريدة مذ صدورها عام 1911 وحتى توقفها بسبب الحرب عام 1914، يظهر أن الصحيفة كانت معززة للفلسطينية ولك كإحدى مركبات الهوية العثمانية وليس كبديل لها أو نقيض، بل إنها إحدى تجلياتها ووحدة صغرى من وحدات الهوية العثمانية.

لقد دأبت جريدة فلسطين على نشر قصائد ومقالات تعزز روح التضامن الاجتماعي بين العرب والعثمانيين، على اعتبار أنهما مركبان أساسيان لا يصح فصلهما، يظهر هذا مثلاً في أدبيات الجريدة :

للشرق في العيد ما للعيد من طرب              في مسرح الأمتين الترك والعرب[31]

إن بناء حالة من التضامن الاجتماعي المشبع بالانتماء الوطني يحتاج إذاً إلى صناعة رموز تكون مرافقة للإنتاج السلطوي، مقرونة بشفاعة أدوات التضامن الاجتماعي بلغة بيير بورديو ألا وهي : اللغة، الدين، الفن.

نلاحظ من خلال ذلك كيف كانت جريدة القدس تستحث البعد الديني في بناء العلاقة بين الترك والعرب، وفي استفزاز المخيال الجمعي، لتعزيز دور السلطة، كما كان له دور في استفزاز الجانب المسيحي أيضاً وحثه من خلال زرع الهوية العثمانية في داخله كهوية جامعة متجاوز للدين، نقرأ في أحد الأعداد في خطاب موجه للجانب المسيحي في فلسطين : " إلى متى هذا الجنون ؟ من أنتم ومن المسلمون ؟ ألستم مثلهم عثمانين ؟ ألستم مواطنين ؟ ألا تأكلون جميعاً من أرضٍ واحدة، الاشاعات الباردة لم تخطر لمواطن مسلم في بال، وكيف تخطر وهم بعلم جيد أن نعيه هو نعيمنا نحن العثمانيين من مسيحيين واسرائليين وسعادته بسعادتنا، وراحتنا بظل الهلال لا بظل غيره والعدو اللدود هي القبعة الأوروبية"[32].

لم يأل محررو الجريدة من جهد في مغازلة الباب العالي ونقد ما يقبع تحته، من هنا فإن سياسة الجريدة كانت تقوم على ترك الباب العالي جانباً وعلى مغازلة وكسب تودده، مع نقد كل ما هو أدنى منه، ولكن النقد الموضوع الساعي إلى الإصلاح الحقيقي الواعي.

في إحدى افتتاحيات الجريدة نقرأ : " ازدان تاريخ الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر بذكر نخبة من الرجال العظام، نخص منهم فؤاد باشا ومدحت باشا اللذين كانا دعاة لإصلاح البلاد"[33].

إن هذا المديح هو لقادة الإصلاح العثماني، ورغم أنه فشل، واثبت النوايا المُضمرة داخله، ورغم مرور السنوات التي تكشف خلالها عن سوء نواياه، إن الجريدة ظلت تكيل له المديح في كل موقع ومناسبه تصلح لذلك،في موقع آخر تقول الجريدة : " إن أنصار الدستور فعلوا برجال الدور الماضي ما فعله الله بآدم لما طرده من الفردوس وتركه تجاه باب الفردوس يشاهد النعمة التي كان فيها ويخدع، غصه التحسر عليها"[34].

من جهة أخرى لم تتوانى الجريدة عن النقد والدعوة إلى الإصلاح، لكن الإصلاح الذي تدعو إليه الجريدة هو إصلاح محدود وذو رؤية أيديولوجية موجهة ومحددة.

إذا أنها سعت إلى النقد في وإبداء الرأي ومحاولة التأثير في مجمل القضايا المعيشية والسياسية بدءاً من القضايا الحياتية المحلية، وصولاً إلى القضايا الإقليمية والدولية.

في الواقع الفلسطيني  انتقدت الجريدة التدخلات ونفوذ الشركات الأجنبية في البلاد، داعية الحكومة إلى الإهتمام بهذا الملف، كونه أداة سهلة لتخريب البلاد، من هنا وقف الجريدة ضد الشركة الفرنسية البلجيكية، وضد شركات الدخان،ودعت إلى تحرير الفلاحين والسعي نحو حريتهم، مناشدة الحكومة في أكثر من مرة : " على حكومتنا أن تفتيح عينيها لهذا الفخ الذي ينصب لها، لأن هذا الفساد يخرب البلاد المتمدنة فكيف ببلادنا ؟"[35].

كما نادت بمساعدة الفلاحين، وإصلاح البنك الزراعي، لأجل تطوير وتحسين وضعية الفلاح الفلسطيني وهو ما انعكس من خلال " قصة فلاح "، و " رسائل فلاح "[36] لاحقاً. كما دانت حوادث القتل المتكررة منادية بالسلم الأهلي والتصالح، نابذة أشكال العنف[37]. كما نادت بإصلاح المدارس، وتعزيز الرياضة كإحدى التوجهات المهمة المهملة في المدارس الفلسطينية[38].

كما أنها لم تكن بعيدة عن غلاء المعيشة وأثره على الناس، ولكنها لم تذهب في ذلك مذهب نقد الدولة العثمانية والسياسات العلية، بقدر ما اعتبرتها مقرونة بالثقافة المحلية، حيث نقرأ في مقال بعنوان غلاء المعيشة : " قال رجال العلم بأن الانسان يجلب لذاته المصائب والمصاعب، مشكلة اقتصادية تدعى غلاء المعيشة، ثمرة ما نجريه برضانا، وهي ليست كما يتوهمون ضربة اقتصادية، ينتظرون من الآستانة أن تعطيهم فيأكلوا وتنسج فيلبسوا، ولما رأوا أن الحكومة شغلت بنفسها عنهم، أطلقوا على الحكومة ألسنتهم"[39].

إن النقد في هذا الإطار يضع الفرد في مواجهته، مبتعداً عن سياسات الدولة العثمانية، وعن واقع سياستها الاقتصادية، وهو ما يفتح باب السؤال عن سبب ذلك ؟ الأمر الذي لا يمكن اعتباره سوى محاولة لصرف النظر عن السياسات العثمانية واتهام وزج المواطن البسيط في مواجهتها. بل وتجاوز هذا الدور إلى المرافعة عن الأستانة والحكومة، أمام الشعب على اختلاف تشكيلاته ومواقعه.

إن الإجحاف بحق الجنود العربي، وما يتخلله من نقلهم وتسفيرهم، حدا بهم إلى التهرب من الجندية، مما حدا بجريدة فلسطين أن تتخذ موقف من ذلك، وبالتالي فإنها وقفت إلى جانب الأستانة في ذلك من خلال عدة مقالات نشرتها الجريدة[40].

وهذا الدفاع عن الحكومة والأستانة يمكن ملاحظته في عشرات الأعداد، وقد تجاوز الدفاع عن الآستانة أمام المواطن فحسب، بل ضد الدولة المعادية لها، كسلسلة من المقالات ضد ألمانيا، وسلسلة أخرى ضد أوروبا : " دولتنا في مأزق حرج لأن الغادرين ينوون فصل قطعه "[41]. وبالتالي فوفق الجريدة الدولة العثمانية أفضل من غيرها : " إذا نظرنا إلى مملكتنا العثمانية نجد فيها ما لا نجده في غيرها من الولايات الممتازة والاستقلال النوعي المتعدد الأشكال"[42].

إن هذا يرسم الملامح الأولى لجريدة الفلسطين، التي ترضى بالدولة العثمانية كهوية وثقافة ونظام حكم، وبالتالي فهي تسعى إلا إصلاح لكي، ضمن محددات تقنية أساسياً، ليكون ملائماً.

من هنا فإن سعي الجريدة للإصلاح لم يكن ذو علاقة بحرركة النهضة العربية، والتوجهات القومية التي بدات تتسع وتنتشر في العالم العربي آنذاك، بل كانت إصلاحات قد تكون هي بدورها من يقف حائلاً أمام هذه التوجهات، بمعنى أن إصلاح الدولة العثمانية من الداخل كان يغلق باب الاتهامات الموجهة من التيارات القومية العربية التي بدات تبرز آنذاك.

من هنا يمكن فهم ذاك التقريع بالحركات الإصلاحية الأخرى ( والتي كانت تحمل البعد القومي العربي في جوفها ). فقد هاجمت الجريدة في احدى افتتاحياتها مؤتمر الإصلاح في باريس، وقد هاجم يوسف العيسى القائمين عليه، مع ما يحملون من أجندة وتوجهات، معتبراً هذا العصر بعصر اللا، لا مركزية، لا مسؤولية، لاسلكية، لا ادارية[43].

وفي أحد الأعداد، أكدت الجريدة  على : " رفض الإصلاح من خلال اللامركزية على الطريقة البيروتية "[44].كما أكد يوسف العيسى في العدد الذي يليه أن : " التوسع في طلب الإصلاح ثقيل على معدتنا الفارغة "[45]. كما سعت الجريدة لتعزيز هذا الموقف من خلال إدراج مقالات وتوجهات مؤيدة لهذا التوجه كمقال " رأي في الإصلاح" لشكيب أرسلان، وذلك في العدد الذي يليه، حيث قال فيه : " عد معاكسة أوامر الحكومة تحت صور الإصلاح البراقة، بضاعة الحركة الخائنة في فلسطين وغيرها كاسدة "[46].

كانت هذه السلسلة من المقالات متزامنة مع تغيرات وحركات قومية في العالم العربية، وبذلك حاولت الجريدة أن تقف سداً أمام انتشار أفكار القومية المتعالية في العالم العربي، بل رأت في الحركات هذه خطراً محدقاً وهو ما كان قد انعكس من خلال كل هذه المقالات. وعليه فإن كل نقدها ودعوات الإصلاح " لا يشوبها شائبة الغايات، ولايشينها شائنة الشخصيات، ولا يعلوها غبار التحامل أو يشم منها رائحة المدح – على حد تعبير الجريدة نفسها[47].



الفصل الثالث :


جريدة فلسطين والتسرب الصهيوني لفلسطين




إن العامل الثاني المهم لفهم سياسة جريدة فلسطين، ولاضاءة جانب مهم من التاريخ الحديث من خلال الصحافة يقع في فهم مضامينها الإعلامية في قضية الهجرة الصهيونية لفلسطين، والتي بدورها تمكنا من فهم جانب مهم من الحراك الاجتماعي الذي كان آنذاك كمرآة قادرة على تبئير جانب من الوعي النخبوي – الاجتماعي في تلك اللحظات المبكرة من بدء الهجرة.

لم تكن جريدة فلسطين ببعيدة عن أحداث الهجرة، وواقع المستعمرات الصهيونية وانكفاء مستوطنيها داخل " جيتوهات " خاصة بهم، مع ما يرافقها من ثقافة " العمل العبري " و " طهارة العمل " وإضافة إلى سلسلة من الأزمات التي بدأت تتوالد يومها.

من خلال قراءة لأعداد جريدة فلسطين المبكرة، يظهر الحديث عن قضايا الهجرة " والاسرائليين " في فلسطين أكثر من مرة حيث يمكن ملاحظة العدد 59[48]، كأول عدد تناقش فيه الجريدة قضية الصهيونية هجرة مستفيضة وتعيد عرض وتحليل منظومة الأفكار المؤسسة للفكر الصهيونية مع ما تحمل من فكرة بناء إسرائيل والأرض الموعودة وشعب الله المختار وما إلا ذلك من مفاهيم ترتكز عليها النظرية الصهيونية.

ثم تظهر مرة أخرى قضية الصهيونية والهجرة من على صفحات الجريدة[49]، على خلفية قضية الورقة الحمراء، وهي الورقة الحمراء التي كانت تعطى للمهاجرين اليهود، حيث يسلمون جواز سفرهم للسلطات ويأخذون مقابلها الورقة الحمراء، والتي بدورها تضمن تواجدهم كزائرين، مما يضعف اماكيات تواجدهم بحيث أن حجز جواز سفرهم يجعلهم متواجدين غير شرعيين ويمكن من إعادتهم من حيث أتوا، الجديد في نقاش هذه القضية هو جراء بعض الخدع والحيل التي استخدمها المهاجرين في الالتفاف على هذه القضية، وعليه فقد ناقشت الجريدة هذه القضية مركزة على أنواع الحيل كأن يسترجع المهاجر جواز سفره، ثم يعود إلى فلسطين من موقع آخر. من هنا قامت الجريدة بنقاش مستفيض لهذه القضية داعية في نهاية المقال الحكومة باتخاذ كافة التدابير الوقائية لأجل منع التدفق والدخول الغير شرعي مذكرة الحكومة بضرر الهجرة وبواجبها للحيلولة دون تدفق المزيد من المهاجرين لما يحمله من مخاطر حقيقية أولها تسرب الاستعمار إلى فلسطين.

تغيب قضية الصهيونية والهجرة من على صفحة جريدة فلسطين، فترات طويلة لتظهر مرة هنا ومرة هناك بشكل متقطع وخجول، حتى تظهر مرة ثانية كقضية رئيسية في أيار 1912 حيث تناقش الجريدة قضية غلاء المعيشة، وفيها تقول الجريدة : " في اعتقادنا أن السبب الرئيسي الأكبر في ضنك العيش الحاصل عندنا هو الزيادة المتواصلة في عدد المهاجرين الاسرائليين بيننا، وليلاحظ أننا لم نقل المهاجرين الأجانب بل قلنا المهاجرين الاسرائليين، وسبب هذا الحصر سيظهر فيما يأتي من هذه العجلة. ولا يجب أن يفهم القراء مما قلناه أننا ننوي شن غارة على هذه الأمة، اننا أول من يعترف لها بحقها أن تسكن وأن تعيش كيفما أرادت وفي أي أرض أرادت. ان اخواننا الاسرائليين المهاجرين قد أقاموا لهم أحياء خاصة بهم وأسواق خاصة واصطلاحات خاصة وهو أمر وان كان فيه ما يقال فيجوز التساهل فيه، لكنهم احتلوا سوق المدينة "[50].

تكمل الجريدة هذا المقال بتفصيل أسس احتلالهم لسوق المدينة، وآليات تعاملهم الاقتصادي، وكيف أنهم لا يشترون إلا من بعض وأنهم مستعدون للسير 500 متر لشراء حاجة من محل يهودي، حتى وإن كان بجانبهم محل لفلسطيني من أي طائفة كانت.

لكن المهم في ما اجتزأناه أعلاه، هو أن الجريدة لا ترى من خطر في التسلل الصهيوني إلا من خلال القضية الاقتصادية، وعليه فإنها لا تحمل سجالاً تاريخياً في أحقيتهم في الأرض بقدر ما تحمل سجالاً في القضايا الاقتصادية والمعيشية، وعليها تشدد على قضية اخوتنا الاسرائليين وتشدد على أنها لا تتحامل عليهم، وتتوخى عدم إثارتهم أو التحريض عليهم، بل تسعى فقط إلا حل أزمة توجهاتهم الاقتصادية، أما خلفياتهم الثقافية والفكرية مع ما تحمل من أبعاد فهي لا تشكل شغلاً للجريدة بل تتفهم قضية محبتهم ورغبتهم بهذه الأرض.

رغم كل ما تحمل الجريدة من تسامح ومن الابتعاد عن الهجومية واتباع الخطاب التوودي " اخوتنا الاسرائليين " و " نعترفهم بحقهم " إلا أن هذه الاعتراف وهذه الاخوة لن تجديهم نفعاً حيث سيثير هذا المقال ثائرة المهاجرين الصهاينة بعدها وفي العدد الذي يليهم نقرأ في جريدة فلسطين مقال الجريدة بالعنوان التالي " نسكت فينطقوننا " والذي فيها تقول الجريدة  " آل بعض من اخوتنا الاسرائليين على أنفسهم أن يقفوا بالمرصاد لكل من يتجرأ في كتابته على ذكر اسم أمتهم ولو ذكراً بسيطاً (... ) أمام الملاحظات الودية يحملقون، وأمام الانتقاد الأدبي يزومجرون " ثم تكمل الجريدة مقالها " ما كتبناه لا يشوبه قصد التحامل وقلنا فيه أننا أول من يعترف لاخوتنا الاسرائليين بالحق أن يسكنوا ويعيشوا كيفما أرادوا ... "[51].

تكمل الجريدة مقالتها عن الرسالة التي وصلتها من أحد الصحفيين الفرنسيين والتي يعاتب ويزمجر فيها على على ما ورد في مقالتهم.

في إكمالنا للمقالة شيء كثير يستحق الذكرن وهو ما يمكن أن يكمل معادلة الفهم ( فهمنا لتوجهات الجريدة، وفهم توجهات الجريدة لسياستها )، بحيث يكمل المقال " قلنا وما زلنا نقول أننا لا نعقد بوجود خطر من استعمار الاسرائليين ... لا بل نرى بعض فوائد من جراء ذلك لأن التفاف الاسرائليين على بعض في القرى لا يعد عقبة في سبيل العمران " بعد توضيحات وشروحات يكمل المقال " في الختام ليسمح لنا أخوتنا الاسرائليون أن نقول بشدة هذا التأثر الذي يستولي على أفرادهم كلما جاء اسمهم في موضوع عمراني يجعل الانسان أن يشك ويظن أن وراء الأكمة ما وراءها "[52].

إن هذا المقال يمكننا من فهم سياسة ورؤية جريدة فلسطين لقضية فلسطين، فالقائمون عليها لا يحملون أي حمل أيدلوجي ضد اليهود وضد فكرة العودة والهجرة، بقدر ما يحملون حمل اقتصادي مرتبط بأمور معيشية، وفي المستوى الثاني والأخطر أنهم لا يستشعرون أي خطر في هجرتهم، رغم التنبيه الذي يتفادونه في نهاية المقال، إلا أنهم لا يروون فيهم خطراً ولا يروونه رديفاً للاستعمار بقدر ما الاشارات توحي بذلك، وبرغم الدلائل التي كانت تقول ما تقوله، إلا أن الجريدة تغض الطرف عن هذه القضية، أما المستوى الثالث والمهم في هذا المقال فهو عنوانه " نسكت فينطقوننا " بمعنى أن الجريدة في تناولها لقضية الهجرة وغياب القضية على فترات، ليس لأن القضية لم تتطور وليس لأن الأيام خالية من جديد بقدر ما هو تجاهل مدروس، فهم يسكتون عمداً، إلا أن تتراكم الأحداث فينطقون بما ينطقون، وعليها فإن من جوانب سياسة التحرير وفق ما يقوله المقال هو محاولة تجاهل قضاياهم وعدم إثارتها.

هذا السكون الذي يعلنه القائمون على التحرير سيستمر أشهراً أخرى حتى تأتي قضية مدرسة نيتر الزراعية، حيث تناقش الجريدة سياسة المدرسة القائمة على رفض تعليم الفلسطينيين، وبالتالي فالمؤهلون لدخولها هم فقط اليهود، ويكون هذا رداً عمن يدعي أن المدرسة درس فيها بعض الطلبة العرب، فتورد الجريدة أسمائهم وخلفياتهم الاجتماعية لتؤكد أنهم أبناء سادة البلاد فقط، ولم يدرس غيرهم[53].

ولكن مرة أخرى تبقى القضية في عداد الصراع اليومي الدائر على خلفية توجهاتهم المعيشية، وليس على فكرة القدوم والهجرة من أساسه.

وحتى في قضية " الولد الشؤوم " أعتبروه تصرف فردي لا يمثل توجهاً جمعياً، فالولد الشؤول هو يهودي صهيوني بدأ بالكتابة في عدة صحافة محلية بأسماء مستعارة عبر طرحه دوماً لقضايا خلافية أدت إلى نشوب فتن بين المسيحيين والمسلمين، حتى تم اكتشاف أمره، وعليه في معرض نقاش الجريدة لهذا الموضوع تطرح على " الاسرائليين " إحدى ثلاث خيارات : إما أن لا يطيلوا على ولدهم المشوؤم بالأكل، وإما أن يشدوا فاهه بحجر، وإما أن يتبرأوا علناً منه[54].

إن هذا التوجه في التعامل مع القضايا كقضايا فردية، وتجاهل البنى الأيدولوجية التي تتحرك من خلال الحركة الصهيونية، سيتكاثف بحيث سيصعب تجاهله لاحقاً، والذي سيكتشفه القائمون على الجريدة لاحقاً من خلال قضية بيع قرية أبو شوشة وهو ما نشرته الجريدة من خلال مقالة " الصهيونية وأبو شوشة " وفيه تدعو الجريدة " آن أن نخوض غمار البحث عن الصهيونية التي أصبحت البلاد الفلسطينية تأن تحتها "[55].

كما ستقفز قضية قرية قيسايا إلى الواجهة، حيث خوف الاسرائليين الاستانة من مؤامرة ستحدث بها، لكي يحثوا الاستانة على منع البناء فيها، ثم حثوا البطريركية على شراءها ولم تقبل الأخيرة، ولما استقصت الاستانة هذا الأمر حكمت متصرفية عكا بفساد الوشاية.

على أثر هذه القضية كتب يوسف العيسى " ألا فليكفونا وليكفوا أنفسهم مؤونة هذه الاشاعات والأراجيف ووشاية حصون قيسارية وسلخ فلسطين ( ...) والمأمورين المتساهلين ما سيوصلهم يوماً إلا غايتهم"[56].

إن القضايا المتسارعة والمتراكمة حدت بالقائمين على الجريدة  إلى إعادة توضيح موقف نظراً للخلط وبعض الانتقادات التي يبدو أنها وجهت إليهم وهو ما يفسر ما تقوله الجريدة في أحد أعدادها، وذلك على خلفية مقتل شاب مسيحي على يد اسرائيلي حيث تقول الجريدة في معرض هذه القضية  " يعلم من يتابع هذه الجريدة أننا لم نأل جهداً في انتقاد الاسرائليين كأمة منعزلة عن بقية الأمم ومحاربة من ندعوهم الصهيونيين".

والجريدة التي ما زالت تميز بينهم في تلك الفترة التي المبكرة التي يمكن أن نتفهم موقف الجريدة، إلا أن الامر رغم ذلك يبقى دون المستوى المطلوب.

كان على الجريدة أن تواكب كل هذه الأزمات والمشاحنات لتصل إلى العدد 294والذي ولأول مرة يظهر من خلال الجريدة استشعارها للقضية الصهيونية حيث تفرد قضية كاملة لذلك بعنوان صادم ومقلق " الخطر الصهيوني على فلسطين " والذي تتحدث فيه عن مشاهد العائلات الاسرائيلية والتي تقذفها البواخر إلا أسكة يافا مرتين في الاسبوع[57].

رغم ذلك تبقى تسمية المقذوفين إلى أسكة يافا بـ " اسرائليين " وهو ما سيثير اللغط لاحقاً بين الاسرائيلي الصهيوني وبين الاسرائيلي – اليهودي المحلي، وعليه فإن عدم التمييز سيبقي القضية في ذروة إشكاليتها.


نتائج :




·        يظهر من خلال قراءة أعداد جريدة فلسطين مذ انطلاقتها عام 1911 وحتى العام 1914، أنها لم تخرج من دائرة الفكر والتبعية السلطوية العثمانية، نحو دائرة الخصوصية، كما يظهر أنها وقفت كسد في وجه الفكر القومي وعليه فقد حاولت قطع الطريق على المد القومي من خلال الاصلاح المتماشي مع التطلعات السلطوية للحكومة العثمانية، بحيث يكون إصلاح بنائي يشتغل ضمن النظام ومحدداته وقوانينه أي ضمن اللعبة السياسية المتبعة وضومن الدوائر والمساحات المحددة سابقاً، فيما الاصلاح العربي كالمتشكل في باريس أو في بيروت كان إصلاحاً يهدف إلى صياغة قوانين جديدة للعبة السياسية وعليها فإن تطلعتها تسعى إلى نسف النظام القائم في مسعى لإقامة نظام جديدة ضمن معادلات جديدة وبالتالي فإن إصلاح جريدة فلسطين هو النقيض للإصلاح العربي على الطريقة البيروتية.

·        يظهر أيضاً من خلال قراءتنا للجريدة، أنها حاولت صناعة هوية عثمانية من خلال الإعلاء من الرموز العثمانية والتمجيد بالأعياد والمناسبات التي تشكل موأل التضامن الاجتماعي، كالرموز والطقوس الاجتماعية وعليه فقد قامت الجريدة دوماً وفي كافة المناسبات بمد شحنات هائلة لأجل الحفاظ على التماسك بين المجتمع والحكومة.

·        اشتغلت الجريدة كمصفاة للثقافة الداخلة إلى فلسطين، بحيث اشتغلت ضمن مفاهيم : " الحجب، الابراز، التضخيم، التصغير " ( بلغة ببير بوردو في كتابة التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول )،  بحيث ساهمت في حجب الأصوات القومية، وتضخيم القاضايا المشتركة والجامعة بين العرب والعثمانيين وفي الفترات المبكرة ومع شح وسائل الاعلام والتواصل كانت الجريدة منفذاً حقيقياً له ثقله وبالتالي فإن الحجب لا بد وأن يكون ساهم في حرمان شريحة ضخمة من الأخبار والقضايا والمقالات القومية والوطنية التي كانت بالتأكيد ستكون مؤثرة لو كتب لها أن تُنشر يومها.

·        لم يخب ظن الجريدة بالدولة العثمانية ودستورها، ولم يتبدى أنها غيرت من نهجها المؤيد للاصلاحات رغم الشواهد التاريخية التي تؤكد فشل الإصلاح وبالتالي فقد حافظت على نفس التوجه الصلاحي الذي يرتئي امكانية التغيير متاحة.

·        تنبهت الجريدة إلى قضية الصهيونية مبكراً ولكنها لم تربط بين النظري والواقعي بمعنى أنها بعد ثلاث سنوات من انطلاقتها ربطت بين الفكر الصهيوني الساعي لامتلاك فلسطين والذي نشرت مقالة عنه في بدايتها، ربطته مع الزوراق التي تقذف المهاجرين، وعليها فبين المقالين ثلاث سنوات لم تكن الجريدة خلالها تسلط الضوء على القضية، أو فلنقل لم تكن قضية مؤرقة في ظل الواقع المعيش.

·        لم يكن هناك من اشكالية بين الجريدة ومع الاسرائليين ودوماً كان يسمون ب " اخوتنا " ولكن السؤال كيف ميزت الجريدة بين الاسرائيلي الصهيوني وبين الاسرائيلي المحلي علماً أن العديد من الأحداث التي قام بها صهاينة كانت الجريدة تطلق عليهم تسمية اسرائيلي وعليه فهذا الخلط شتت يخلق تشابه بين الصهيوني والاسرائيلي ليس في عرف الحكم القيمي بقدر ما هو في عرف الفلسطيني الذي تختلط عليه التسميات والمسميات.

·        لقد حاولت الجريدة دوماً عدم اثارة " الاسرائليين " رغم الممارسات التي كانوا يقومون بها وبالتالي فقد كان السكوت هذا مقصوداً ومتعمداً وهو لا بد وأن ترك تأثيراً في أن يتمموا مشروعهم بصمت بعيداً عن عيون الصحافة التي كانت تتجاهلهم وتبتعد عن قضاياهم باعتراف من الجريدة ذاتها، وبالتالي فإن الصحافة قد قدمت خدمة مجانية لمشروعهم سواء عن حسن نية أو غيرها وكما المثل القائل " الطريق إلى الجحيم مُعبد بالنوايا الحسنة ".

·        لم تهتم جريدة فلسطين بالقضية الصهيونية بما فيه الكفاية، وإن كانت معالمها لم تكن قد توضحت، إلا أن الجريدة لم تهتم وهو بحكم ما قالته واعترفت بها سابقاً أنها غير متخوفة من استعمار فلسطين وقد سبق وذكرنا هذا المقال التي أبعدت الصحيفة كل الامكانيات لضياع فلسطين وهو ما قد يخلف نوعاً من السكون الاجتماعي والقنوط.

·        رغم كل ذلك لا يمكن أن ياخذ الاجحاف وردة الفعل إلا تناسي أن الجريدة بدأت في العام 1911 أي في فترة كانت تعيش فيها فلسطين واقعاً تعليمياً مزرياً، وثقافة القراءة والصحافة لا شكت وعززت مفاهيم جديدة في المجتمع الخارج من صدمة الجمود المعرفي إلى انبلاجت نهضوية، وعليها فإن الجريدة تبقى مساهماً في النهضة المعرفية التي شهدتها البلاد.

·        وإضافة إلى ما أوردناه أعلاه وفي نقطة مرتبطة بها، ساهمت الجريدة في خلق رموز وطنية محلية، فنشر كتابات لخليل السكاكيني، وكتاب فلسطينيين محليين، سيكون عاملاً معززاً في صناعة رموو محلية ستأخذ وستظهر لاحقاً في مرحلة ما بعد الحر العالمية الأولى وبدورها هذه الرموز ستكون رموزاً مهمة في اشتغالية الخصوصية الوطنية التي ستبدأ بالتبلور لاحقاً وعليه فغن جذورها تبدأ من جريدة فلسطين.







المصادر المراجع :




 


1.    الحوت, بيان نويهض. فلسطين: القضية، الشعب، الحضارة. بيروت: دار الاستقلال للدراسات والنشر, 1991.

2.    العارف, عارف. المفصل في تاريخ القدس. بيروت - عمان: المؤسسة العربية للدراسات والنشر, 2007.

3.    العلمي, احمد. الاجتياح البريطاني لفلسطين. عكا: مؤسسة الأسوار, 1998.

4.    الكيالي, عبد الوهاب. تاريخ فلسطين الحديث. بيرو ت - عمان: المؤسسة العربية للدراسات والنشر, 1990.

5.    النجار, عايدة. صحافة فلسطين والحركة الوطنية في نصف قرن. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر, 2005.

6.    أوغلو, اكمال الدين احسان. الدولة العثمانية تاريح وحضارة. ترجمة صالح سعداوي. استانبول: منظمة المؤتمر الإسلامي - مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الاسلامية, 1999.

7.    بودريار, جان. المصطنع والاصطناع. ترجمة جوزيف عبدالله. بيروت: المنظمة العربية للترجمة, 2008.

8.    بورديو, بيير. التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول. ترجمة درويش حلوجي. دمشق: دار كنعان, 2004.

9.    خوري, يوسف ق. الصحافة العربية في فلسطين. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية - الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين, 1976.

10.                       سليمان, محمد. تاريخ الصحافة الفلسطينية. بيروت: الاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين, 1986.

11.                       شوملي, قسطندي. الصحافة العربية في فلسطين. القدس: جمعية الدراسات العربية, 1992.

12.                       مروة, أديب. الصحافة العربية نشأتها وتطورها. بيروت: منشورات دار مكتبة الحياة, 1961.

13.                       يهوشع, يعقوب. تاريخ الصحافة العربية. القدس: مطبعة المعارف, 1974.



14.  جريدة فلسطين، الأعداد 1911 – 1914، أرشيف جامعة بيرزيت.







[1] جان بودريار. المصطنع والاصطناع. ترجمة د.جوزيف عبدالله. بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2008.

[2] بيير بورديو، التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول،ترجمة درويش حلوجي، دمشق، دار كنعان، 2004
[3] محمد سليمان، تاريخ الصحافة الفلسطينية، ص 45
[4] د.قسطندي شوملي، الصحافة العربية في فلسطين، ص 14
[5] هذا لا يعني أن فلسطين لم تعرف الصحافة قبل ذلك، كما كتب أديب مروة : يمكن القول أن القطر الفلسطيني لم يعرف الصحافة العربية على الإطلاق قبل اعلان الدستور العثماني سنة 1908. أديب مروة، الصحافة العربية نشأتها وتطورها، ص 216
[6] يعقوب يهوشع، تاريخ الصحافة العربية، ص 13
[7] يعقوب يهوشع، تاريخ الصحافة العربية، ص 33
[8] د.قسطندي شوملي، الصحافة العربية في فلسطين، ص 19
[9]إكمال الدين إحسان أوغلو، الدولة العثمانية تاريخ وحضارة، الجزء الأول، ص 128
[10] عبد الوهاب الكيالي، تاريخ فلسطين الحديث، ص 44 - 45
[11] عايدة النجار، صحافة فلسطين والحركة الوطنية في نصف قرن، ص 45
[12] بيان نويهض الحون، فلسطين : القضية، الشعب، الحضارة، ص417
[13] محمد سليمان، تاريخ الصحافة الفلسطينية، ص 94 - 99 
[14] د.قسطندي شوملي، الصحافة العربية في فلسطين، ص 18
[15] د.قسطندي شوملي، الصحافة العربية في فلسطين، ص 20
[16] محمد سليمان، تاريخ الصحافة الفلسطينية، ص 49
[17] يوسف ق. خوري، الصحافة العربية في فلسطين، ص 147
[18] محمد سليمان، تاريخ الصحافة الفلسطينية، ص 75
[19] عارف العارف، المفصل في تاريخ القدس، ص 548
[20] أحمد العلمي، الاجتياح البريطاني لفلسطين، ص 19
[21] عايدة النجار، صحافة فلسطين والحركة الوطنية في نصف قرن، ص 50
[22] بيان نويهض الحوت، فلسطين: القضية، الشعب، الحضارة، ص427
[23] يعقوب يهوشع، تاريخ الصحافة العربية، ص 17
[24] محمد سليمان، تاريخ الصحافة الفلسطينية، ص 59
[25] المصدر السابق
[26] د.قسطندي شوملي، الصحافة العربية في فلسطين، ص 20
[27] محمد سليمان، تاريخ الصافة العربية، ص83
[28] د.قسطندي شوملي، الصحافة العربية في فلسطين : فهرس النصوص الأدبية في جريدة فلسطين، ص 51
[29] المصدر السابق
[30] محمد سليمان، تاريخ الصافة العربية، ص84
[31] جريدة فلسطين، عدد54، 26 تموز 1911
[32] جريدة فلسطين، عدد 191، 23 تشرين ثاني 1912
[33] جريدة فلسطين، عدد58 ، 5 شعبان 1329
[34] جريدة فلسطين، عدد96، 20 كانون أول 1911
[35] جريدة فلسطين، عدد57، 23 تموز 1911
[36] جريدة فلسطين، عدد 71، 23 أيلول 1911
[37] جريدة فلسطين، عدد 81، 28 تشرين أول 1911
[38] جريدة فلسطين، 16 كانون أول 1911
[39] جريدة فلسطين، العدد 59، 12 آب 1911
[40] راجع على سبيل المثال : جريدة فلسطين، عدد 173، 21 أيلول 1912
[41] جريدة فلسطين 7 تشرين 1911
[42] جريدة فلسطين، عدد 154، 17 تموز 1912
[43] جريدة فلسطين، عدد 262، 13 آب 1913
[44] جريدة فلسطين، عدد 231، 1913
[45] جريدة فلسطين، عدد 232، 23 نيسان 1913
[46] جريدة فلسطين، عدد 233، 3 أيار 1913
[47] جريدة فلسطين، 29 تشرين ثاني 1911
[48] جريدة فلسطين، العدد 59، 12 آب 1911
[49] جريدة فلسطين، 16 أيلول 1911
[50] جريدة فلسطين، عدد 140، 29 أيار 1912
[51] جريدة فلسطين، عدد 142، 5 حزيران 1912
[52] المصدر السابق
[53] جريدة فلسطين، عدد 168، 4 أيلول 1912
[54] جريدة فلسطين، العدد 195، 7 كانون أول 1912
[55] جريدة فلسطين، 25 كانون ثاني 1913
[56] جريدة فلسطين، عدد 210، 5 شباط 1913
[57] جريدة فلسطين،العدد294، 27 كانون أول 1913