الاثنين، 18 أبريل 2011

شام

شام ...
فادي عاصلة

الشام أم ترنو لأبناءها وتجزعُ
إذا ما العدا غدا في حجرها يتربع
وتذكر أبنائها من عهد غسان ...
بأنها أسمى من ذرى الجبال وأرفع
تذود عن الضيم إذا دنى
وتنأى عن الذل المهين وتدفع
ولها في أخبار الُعرب محفلٌ
ولها في صدر العاشقين موقع
ولها في شموخ القاسيون  قِبلة
ولها في ذكر حماة موضع
ما ذٌلت إذا الغزاة ترجلوا
على وقع السهام تتمنع
تحمل الضيم فوق حملها
تجير الملهوف وتهرع
وتحفظ أصناف القتال كلها
وتعرف فنون السلم وتُبدع
تعصى الغزاة حد احتضارها
تقاتل الموت ، والموت مُشرع
وكلما عصفت بها ريح
فزعت الريح وما دمشق تُفزع
وتبسم عن حياء وهي عارفة
بأن الحياة في جوفها تتورع
وتحفظ أشكال الوجوه وجمعها
وتعرف الغزاة مهما تقنعوا
لا زي العرب مُجدٍ إذا لبسوا
ولا زي الغرب قد يوم ينفع
وتزرع الفرسان في عرضها
حتى يضج الساح أو يشبع
حتى يعيش الحر حراً
حتى يقاتل منهم الرضع...
تلقي بغضبة الأرض عن ظهرها
حتى تأن الأرض والثأر يدمع
حتى يشد التراب التراب
حتى وصال العشق المُقطع ...
هذه دمشق يا مصر فانتظري
هذه دمشق اليوم تعرف ما تصنع ...



العقد الاجتماعي : رؤية مبلوريه الأوائل

العقد الاجتماعي رؤية مبلوريه الأوائل
 فادي عاصلة
يعتبر توماس هوبس وجان لوك وجان جاك روسو من أبرز فلاسفة عصر التنوير كما أنهم من المؤسسين الأوائل لفكرة العقد الاجتماعي والمجتمع المدني،ولا يمكن لأي باحث يحاول سبر أغوار تلك العصور المشحونة بالفلسفة والفكر والتضاد والثنائيات بالضخ الديني والمادي في آن،بصراع الذات مع الذات،أن يتجاوز هؤلاء الثلاث مفكرين كمنطلق ومرتكز لفهم تلك الظاهر التي تسمى " أوروبا " وهي مرحلة تاريخية تستحق الدراسة لما فيها من غناء يثري الباحثين والعلماء في شتى مجالاتهم إذ كانت ولا تزال أرضاً خصبة للفكر والمعرفة.

الحالة الطبيعية :
هوبس :
تعتبر الحالة الطبيعية للإنسان مركباً هاماً في البناء والنسق الفلسفي لكل من يشتغل في مجالها فهي التي قاعدة النظام الفلسفي والنسق الذي يحدد المعالم الكبرى في الإنجاز الفكري،من هنا كان لا بد لهوبز ولوك وروسو أن ينطلوا من الحالة الطبيعية للإنسان ووفق رؤية كل واحد منهم كانت تتشكل فلسفته.
كان هوبس أشد الفلاسفة تطرفاً أو فلنقل أشدهم حدة،إذ رأى أن الحالة الطبيعية للإنسان هي حالة صراع دائم حرب الكل ضد الكل( وهو قريب إلى ما قاله الفيلسوف أبو حيان التوحيدي سؤل عن مشكلة الإنسان في الحياة،قال : الإنسان مشكلة الإنسان )،بالتالي فإن قانون الغاب هو السائد،والإنسان شرير بطبعه.
إن آراء هوبس السياسة والاجتماعية لا تنفصل عن فلسفلته،وبالتالي فإن أرائه هذا مردها أن الإنسان جسم حركي،وعن حركته المستمرة تتولد الرغبة التي لا يحدها شيء،وبالتالي فإن منطقه الداخلي مفعم بالحسد والغيرة والرغبات المتداخلة،الخوف من الموت،والحزن والألم وفي ظل هذا الرعب المزمن يتنامى لدى الإنسان شعور بالتعويض وبالتحصين عبر امتلاك أسباب القوة،والسعي نحوها، كإجراء ضد كل هذه المعارك الداخلية والخارجية،وعليه فإن الطبيعة الإنسان هي في حالة حرب مستمرة فيما الأخلاقيات ومثل ومبادئ هي اصطناع.
وعليه فإن الانتقال إلى المجتمع المدني هو لحفظ الأمن وثمة عقل مُرشد دل الإنسان على ذلك وعواطف داخلية تتجه رغم الشرور نحو السلم.

لوك :
اختلف لوك عن هوبس في نظرته للإنسان فإذ رأى الأول بأن الإنسان شرير وفي حالة صراع الكل ضد الكل وسيادة قانون الغاب،فقد لوك رأى بالعقل حامياً للإنسان من تصرفاته ومن غيره،كونه يرد ويحجم الإنسان عن أفعاله العدائية،ومن هنا وجب على كل فرد أن يحاول حماية الآخرين وردع المعتدين كما أن العقاب يجب أن يتناسب مع حجم الخطأ المرتكب بمعنى أن يكون العقاب متوافقاً مع الضمير الداخلي.أي أن الإنسان ليس خيراً بالمطلق ولا شريراً بالمطلق.
من هنا رأى لوك أن العلاقة بين الأفراد هي علاقة تبادل مصالح ومنافع فلقد انتقل الناس من حالة الطبيعة إلى المجتمع المدني نتيجة تجاوزات ومساوئ تعرضوا لها في حالة الطبيعة فكان المجتمع المدني ردة فعلية تهدف لتحسين شروط الحياة وحماية الفرد،إذ أن الحالة الطبيعية خالية من القوانين والقضاة والسلطة التنفيذية،والتي بدورها تعتبر ركائز المجتمع المدني – السياسي.
روسو :
 رأى روسو أن الإنسان كان يعيش في حياة طبيعية مثلى،يتساوى فيها الجميع،كما أن هذه الحياة كانت مثالية تسودها الفضيلة والسعادة،إذ الكل راضٍ عما يحصله فهو يعمل بنفسه لنفسه ويعيش تحت تأثير مجموعة من المشاعر تضمن له الراحة الداخلية والاستقرار إلى أن جاء المجتمع المدني ليسلب الإنسان راحته ويفسد حياته،وبالتالي فإن الشرور التي يتحدث عنها هوبس وفق فلسفة روسو هي إفرازات المجتمع المدني وليست سابقه له.إذ أن المجتمع المدني ونشوء فكرة الملكية واتخاذ المعاونين هو من حدا بالإنسان إلى التدهور إلى ما هو عليه فيما حياة الطبيعة السابقة لم تكن تتطلب أكثر من إشباع الغرائز : ( راحة،طعام،أنثى ).
أطراف العقد :
هوبس :
يرى هوبس بالإنسان كائن لا اجتماعي منفعي وشرير بالتالي فإن تأسيس المجتمع المدني يحتاج إلى طرف يتوسط بين الإنسان والإنسان،وعليه يكون الحاكم ذاك شخص الذي يتنازل له الجميع عن الحق الطبيعي المطلق،في مقابل أن يقوم هو بدور الفاصل والموزع لهذه القوة الكبرى الناتجة عن توحيد الحقوق الطبيعية،ولكي يستطيع أن ينجز عمله،وبما انه ليس طرفاً في العقد،فهو مخول بما يراه مناسباً بشكل مطلق دون أي التزام أو مسائلة.


لوك :
نتيجة لحالة الطبيعة التي رآها لوك،ولكون الإنسان خير،لكنه قد يقوم بأعمال شريرة التي يردعها العقل،ونظراً لكونه كائن اجتماعي يحتاج الآخرين،فقد رأى لوك بان العقد الاجتماعي يجب أن يكون بين الأفراد والسلطة الحاكمة،فهم يتنازلون عن حقهم الطبيعي لأجل تسيير أعمالهم فمن الواجب على السلطة الحاكمة أن تحترم هذه الثقة وأن توفر لهم الأمن والخير.

روسو :
 انطلاقاً من رؤية روسو لحالة الطبيعة التي ذكرناها سابقاً،بأنه خير بطبعه وقد أفسده المجتمع المدني،يأتي الحاجة لإبرام اتفاق وعقد اجتماعي يضع حد لتدهور الفرد البشري،من هنا يكون أطراف الاتفاق هو الفرد والإرادة العامة كما العائلة التي تقوم على توافق وإرادة جماعية بالحياة المشتركة كذا يجب أن يكون المجتمع بحيث يكون الالتزام حراً وذاتياً،يحمي الأفراد وملكياتهم ويوظف القوة العامة في سبيل تحقيق ذلك.
جوهر العقد :
هوبس :
إن العقد الاجتماعي قد جاء ليضع حداً لحروب الإنسان،ولشروره،وصراعاته،وبالتالي فإن جوهر العقد الاجتماعي هو التنازل الكلي والنهائي للأفراد عن حقوقهم وحرياتهم الشخصية،
فليس ثمة خيارات مطروحة للمجتمع سوى خيارين،إما الأمن في ظل السلطة المطلقة،وإما الفوضى العارمة في غيابها.
من هنا تأتي الحاجة لسلطة مطلقة تفرض الأمن وتحافظ عليه،وبالتالي فالخير والشر هو ما تراه هذه السلطة لا ما يراه الفرد،فهي ترى بعين الجميع،فما تراه من خير فهو خير وما تراه من شر فهو شر.
لوك :
كان لوك قد أوضح رؤيته للأفراد وعليه بنى توجهاته الفلسفية والسياسية،إذ يرى أن الفرد في حالة الطبيعة له نوعان من الحقوق الأول يتمثل باستخدام سلطته للبقاء وحفظ ذاته،والثاني يتمثل بحق استخدام السلطة الطبيعية لمعاقبة الجرائم المفترضة ضد قوانين الطبيعة بمعنى تنفيذ هذه القوانين بشكل فرد باستخدام قوته،وبناءً على هذين الحقين ،فإن الفرد يتنازل عن الحق الأول إلى بعد أن تديره السلطة،كما أنه لا يتنازل عن الحق الثاني إلا بعد أن تتولى السلطة التنفيذية مهامها.
على وقع هذه الرؤية يمكن توجه لوك الداعي لبناء السلطة برضى الجميع دون إفقادهم حرياتهم عبر السلطة التشريعية والتنفيذية واللتات تضمنان بدورهما حماية الحقوق الطبيعية والتي بدورها تكون الطريقة الأفضل لحماية حقوق الإنسان.
روسو :
تنازل بناءً على ما ذكره روسو في رؤيته لحالة الطبيعة ولأفراد العقد : الفرد – الإرادة العامة،الذين يشكلون أطراف العقد فيما يكون العقد ذاته بجوهره تنازلاً من الأفراد عن حقوقهم الطبيعية وحرياتهم للجماعة من أجل بناء الإرادة العامة التي تضمن القوة للجميع،فوفق هذا العقد كل الأفراد قد تنازل وهو بدوره مشروط على الجميع،فكل فرد تنازل عن حقوقه لاكتساب قوة الجماعة وليحافظ بها على نفسه،كما لا يكون وفق هذه الرؤية أحد تحت إمرة أو قيادة آخر بل تحت إرادة عامة،يكون لكل فرد الحق على الآخر بذات المقدار،وبالتالي فإن كل فرد يبقى حراً ،حاكماً ومحكوماً في آن،بالإضافة إلى ذلك فإن التعاقد ضمن هذه الطريقة يضمن المساواة الطبيعية الأخلاقية والشرعية بين الجميع.
الإرادة العامة هذه هي التي تشكل الدولة بأجهزتها ومؤسساتها وأذرعها،والتي بدورها تكون معبراً عن الإرادة العامة ذاتها.
التزامات العقد :
هوبس :
طالما الحاكم قد جاء ليكون فاصلاً بين الأفراد ضد الأفراد،وطالما لم يكن طرفاً في العقد،وفق التوجه الهوبسي،وبما انه قد جاء ليحفظ الأفراد من بعضهم ويضع حداً لحالة الفوضى،فإنه  طالما حافظ على الأمان طالما وجب على الأفراد الطاعة،أما إذا أخل بالأمن عندها يكون الحق للأفراد التخلي عنه والخروج عليه.وهذا بدوره يفرض على الحاكم التقيد ببعض الواجبات كأن يوفر المساواة للجميع وأمام الأعباء العامة،إضافة لتوفير التعليم،ومكافحة البطالة،ورعاية العاجزين عنه،وأن يوزع بعض الملكيات.
لوك :
جاء الحاكم وفق لوك لكي يضع حداً للتوجهات السلبية التي فرضتها حالة الطبيعة من تجاوزات وانتهاكات للآخرين،وعليه فوجوده جاء ليركز القوة الطبيعية للأفراد في ويوظفها في سبيل خدمة الجميع بناءً على رضى الجميع وموافقتهم،وبالتالي فإن ما العقد الاجتماعي مع ما يحويه من حريات حقوق واحترام والتزامات هو المرجعية النهائية،فإن تجاوز الحاكم ما تم الاتفاق عليه حق للأفراد الثورة عليه.
روسو :
ركز روسو على قضية الإرادة العامة،والتي بدورها عبارة عن تجميع لإرادات الأفراد الآخرين،فهي إذاً مجمع الإرادات الفردية وملتقاها،وهي إما إرادات فردية خاصة،وإما إرادة عامة تسعى للمنفعة الجماعية العامة،وبالتالي فإن الحاكم وظيفته تنفيذ هذه الإرادة العامة،كونها تخضع الجميع،ومن أخل بها وجب عليها العقاب حاكماً كان أم فرداً.

صاحب السيادة :
هوبس :
كما ذكرنا سابقاً تكون السيادة للفرد الحاكم – أو المجموعة الحاكمة الذي تنازل له الأفراد عن حقوقهم الطبيعية لأجل أن يكون فاصلاً بينهم،ويكون متجاوزاً للقانون وفوقه،لأجل المحافظة على الأمن للجميع،في ظل مجتمع فرداني شرس وشرير،بالتالي فإن صاحب السيادة  هو غير ملزم وغير مقيد وصاحب سلطة مطلقة،ولا يمكن إزالته أو تغييره أو استرجاع القوة التي منحت له.فلا يجوز المجادلة والنقاش في شرعية الأوامر والنواهي التي يصدرها.
لوك :
إن صاحب السيادة وفق لوك،هو الشعب أو الأغلبية ،فهم يمنحون السلطة قوة مشروطة بالثقة وتأمين الخير والأمن،والتزام قواعد الأخلاق والتقاليد الدستورية والتعهدات التاريخية.
كما يرى لوك أن الذي يحرك المجتمع هو رضا أفراده،ولكي يستطيع هذا المجتمع السير في طريق واحده فيجب أن يلتقي في الطريق أكبر عدد من المؤيدين.
روسو :
إن صاحب السيادة باعتقاد روسو هو الإرادة العامة،فهي الممثلة الأدق والمعبرة عن جميع الإرادات الفردية،وبالتالي فالسيادة لها،فهي غير قابلة للتصرف : فقط الهيئات تتغير،والشعب يفرزها،غير قابلة للتقسيم : إما أن تكون عامة أو لا تكون،معصومة عن الخطأ: الأغلبية لا تخطأ.




طبيعة السلطة :
هوبس :
السلطة هي خالقة المجتمع الصناعي الفرداني الذي لا يوحدهم سوى المصلحة والمنفعة والحفاظ على الذات والأمن،وبالتالي فإن السلطة مركز توحيد هذه الحقوق وتجميعها ومركز للمحافظة على الأمن،وصاحب السيادة هو من يصنع المجتمع لا العكس.
لوك :
 الشعب هو من يختار السلطة،فلا يكون العقد المجتمع دون رضى أفراده،ولا يمكن بناء دولة ووطن والسير في طريق البناء دون أن يكون أغلبية راضية ومتوافقة،وبالتالي فللشعب حق اختيار السلطة وأفرادها وحق عزلها وتغييرها.

روسو :
السلطة جاءت لأجل تنفيذ الإرادات العامة،التي فرضها نظام المجتمع المدني الحديث والمتمثلة بحفظ الأمن والاستقرار،والملكية،كما يجب على الشعب أن يكون هو من يضع القوانين،وعليه يكون ممثلو الحكومة من قادة ورؤساء عبارة عن موظفين لدى الشعب.
نظام الحكم :
هوبس :
لكي يتم الحفاظ على المجتمع وتوفير الأمن لإنسان شرير يسعى دوماً إلى العدائية والغائية فإن على الحكم أن يكون استبدادي مطلق لكي يجيد توفير الأمن والسيطرة فهي سبب وجوده،وبالتالي فعليه أن يكون صاحب سلطة مطلقة فوق القانون،يملك صلاحيات واسعة،تمتد من الملكية إلى الكنيسة.
لوك : 
يتوجب وفق لوك قبل إقامة الحكومة إقامة المجتمع السياسية،وبعدها يتم إقامة حكومة أغلبية ديمقراطية تتخذ القرارات وبالأغلبية،وتكون مقسمة إلى سلطات تشريعية وتنفيذية وكونفدرالية تسعى جميعها بسن القوانين وتنفيذها وتطبيق العدالة.
عطفاً على ذلك فإن السلطة متغيره،كونها وديعة بيد الحكومة تستخدمها في سبيل الخير العام،وتبقى طالما حافظت على أسباب وجودها ويخرج الشعب عليه طالما أخلت بمقوماتها الأساسية .
روسو :
يرى روسو بأنظمة الحكم أشكال تنظيمية للسلطة التنفيذية،فمهما اختلفت أشكال الحكم تبقى السلطة ذات السيادة كامنة في الشعب،وبالتالي فالحكم يجب أن يكون ديمقراطياً والسلطة فيه مطلقة للإرادة العامة.

قبلة للريح

قبلة للريح
 فادي عاصلة
معبر للبرد ..
للورد
للحزن المجفف
لأساور الصبايا …
للمناديل المطرزة …
لقبضة الحناء في أطراف عين
تقضم حُمرتها …
وتبسم في حياء …
جف موعد الحصاد .. أو جف الوريد …
بعيدٌ أنت عن خطوتك والمدى بعيد …
يخدش الندى اظافر الليل …
يعرقل الورد عن شباك لهفتنا …
حيث سرت الاغنيات
نضج الحنين ولا يزال الخبز
يهتف لغيمة
تُقلب الفصول كما تشتهي يد المعجزات …
ويد المنفى من حديد
بعيدُ أنت عن خطوتك والمدى بعيد …
عُد أصابعك كي تجد حلمي
حيث تركت ظلك آخر مرة …
يناويء المسافات …
يربي المنعطف كي يلغي أثر الغياب
والعتاب …
اكسر المرآة
كي لا ترى غيرك
اكسر المرآه إذا لم تعد كما تشتهي، تراك …
اكسر المرآة اذا تشوه فيك المُرسِل والمُرسَل والبريد
بعيدُ أنت عن خطوتك والمدى بعيد …
رد اعتبار الريح للوردة …
وريم يروم للفصول المورقات على غصن زنبق …
قذفتك الأسفار فشُل هذا القذف الموفق …
وحجارة تروي الشقوق تجاعيد وقوفها …
قل للريح لا
قل للوقت لا
قل للحزن لا …
وأغرز أظافرك في ظهر نبي شريد
بعيدٌ أنت عن خطوتك والمدى بعيد …
لا أحد يطل من دمك على حقيقة القمح …
لا أحد يعد النخيل لجيل قحط للسنين العجاف
لا أحد يربي ذاكرة تصلح للأمسيات في الغد الموتور …
لا أحد يجنب التلف ساعديه
لا أحد يرد النوم عن مقلتيه…
ولا أحد يرتب فينا النشيد …
بعيدٌ أنت عن خطوتك والمدى بعيد …
ضلت القافلة عن مسار وجهتها …
لا دليل ينجي ولا رمل يشفق على عيون المسافرين …
وإبل تراخت … كأنما بركت على بركان من سنين …
الصحراء لا تحب الجبناء …
الصحراء امرأة تحب الهُمام يفتت الحر ويكوي رمل الكُثب قدر ما يريد …
بعيد أنت عن خطوتك والمدى بعيد …
وكم تهيم في العراء
تهرب من حفنة الملح وثأر المستحل
سيهوي دمك في الفراغ العبثي
في النهايات الطويلة المتعبة
في قبضة تشبه الغياب أو تزيد …
بعيدٌ أنت عن خطوتك والمدى بعيد …
تُطل من شوق ذكرى …
تحفظ أغنية في وعاء من المشمش
تسقي شجر الآله من ماء خلوتنا …
تغلي على جمر الفجر قهوتنا …
وتصلي قدر اتساع الدعاء
صوفي خلف صوفي خلف مريد
بعيدٌ عن خطوته والمدى بعيد …
تغرب الخيل على وقع الهتاف
وبيض يتقاسمون حناء الفرح الأخير
امرأة تعزي أولادها بإبل لا يفتتها الرمل إذا جفت قوافل القيروان …
رجل ينتفض من محيط النخيل ليواري دمعه رعشة الاقحوان ..
حكمة للعربي في زرع الثريد
بعيدٌ أنت عن خطوتك والمدى بعيد …
ألا هبي بصحبك فاصبحينا
ولا تبقي من وعي الحاضرين
حارقة كأن الحزن فيها
إذا ما القهر غيبنا ترينا
تمرد الحمام الزاجلي
على سلطات البريد
تمرد السيف على أسلحة الدمار
وقيء الحديد …
وتمردت عيناي علي
فما عدت أرى إلا ما تريد
بعيدٌ أنت فالمدى دوماً بعيد …

تعدد المنظمات الاقليمية في العالم العربي

تعدد المنظمات الاقليمية في العالم العربي
فادي عاصلة
مقدمة
يحاول هذا البحث على ضآلته أن يقدم مدخلاً تحليلياً لفهم الواقع العربي من خلال التكتلات الإقليمية التي تشكل بنيته السياسية الإقليمية من خلال الإجابة على سؤال يستحق الطرح : لماذا تتعد التكتلات الإقليمية في الوطن العربي كجامعة الدول العربية، مجلس التعاون الخليجي، الإتحاد المغاربي، رغم كونه وطن واحد ؟
إن هذا السؤال بدوره يفتح باب المسائلة التاريخية بحيث نقدم محاولة لفهم التسلسل التاريخي للواقع العربي من خلال تشكل الدول وكيف تم رسم المعالم الحديثه، وبالتالي فهذا سيكون محور الفصل الأول من البحث.
بناءً على الدراسة التاريخية نسعى لدراسة التكتلات الإقليمية ذاتها بمعنى دراسة المواثيق المُشكلة لهذه التنظيمات الإقليمية ما يميزها، وما يضيف الجديد فيها وأي أهداف ومباديء تسعى لتحصيلها ؟
من هنا يتجلى لنا الفصل الثالث كإجابة على السؤال والتي تحمل بدورها معالم الواقع العربي وشروط نهضته وأسباب الخلل فيه ومداعي الفشل التي تتجلى في الشلل البنيوي ومراوحة المكان في ظل تنظيمات إقليمية أخرى قد قطعت شوطاً كبيراً في ذلك كما يتجلى أسباب تفاوت النجاح التنظيمي بينها.
لا شك في أن تاريخ العرب  والبلاد العربية يعود لقرون ساحقة، من حضارات اليمن القديم، مروراً بانهيار سد مأرب وانطلاقة العرب على اختلاف قبائلهم ( قريش، تغلب، بني مرة، تيم، غطفان …) وجذورهم ( قحطانيون وعدنانيون )، وصولاً إلى العهد الإسلامي والفتوحات الإسلامية إلى وصول الحدود الإسلامية في أقصى حد لها من غرب الصين إلى وسط اسبانيا.في خضم هذه الأحداث بدأ العرب يخرجون من حيز الجزيرة، إلى مناطق وسط آسيا شرقاً، وإلى المغرب غرباً، في مناطق معينة ذهب ريحهم هباءً خاصة مع انهيار العنصر العربي في الخلافة الإسلامية في الفترة العباسية الثانية، ثم أفولهم[1]، وفي حالات أُخرى تغلغلوا في البلاد فتحولوا إلى جزء منها كحال المغرب العربي.
ثمة تاريخين مهمين يُشار إليهما دوماً كإحداثي التحول التاريخي، الأول سقوط الأندلس 1492، والتي حملت بدورها فاصلاً بين حقبتين فقد كانت إسلامياً مؤشراً على تضعضع البنى الحضارية وتداعيها ( كما لا نرى بعد هذا التاريخ ظهور فلسفة وفكر جاد، عدا عن اجترار كل ما كان قد قيل )، و التاريخ الثاني 1516 معركة مرج دابق التي حجمت النفوذ العربي لسلطنة الدولة العثمانية التي لم تتوانى عن بث الدين السياسي وتقويض التوجهات الاجتهادية والفكرية والفلسفية كونها تتعارض مع النهج العثماني الساعي لترسيخ بنية سياسية وتحويل المناطق العربية إلى مراكز جباية ونفوذ لا أكثر.
كل مع مجيء القرن التاسع عشر، كانت الدولة العثمانية قد أصابها الوهن، وقد كان " مفكري عصر النهضة " المُرسلين من خلال بعثات محمد علي إلى أوروبا خير دليل على هذه الصدمة الثقافية والحضارية التي استفاق عليها أبناء المشرق العربي حين تبدى لهم تلك الفجوة الهائلة بين الثقافتين لتبدأ محاولة رأب الصدع من خلال بناء المدارس " المائعة " والتي اختلفت في آلية إعادة البناء الحضاري بين من يحاول التوفيق بين الحضارتين ولاحظ التسمية " تلخيص الإبريز في وصف باريس " وبين من يرفض جملة وتفصيلا ثقافته الأولى بعد أن قاده انبهاره إلى راديكالية مراهقة كسلامة موسى، وصولاً إلى عدة مفكرين الذين تمردوا حديثاً على التوجهين كأركون والجابري وغيرهم الذين ارتأوا بالحل أنه لا يمكن أن يكون إلى من الداخل من صلب الحضارة عبر نقد العقل المُشكل للسلوكيات الممارسة من خلال التفكيك المضني إلى مفاصله الأولى.
تلك المحاولات الفكرية تبقى كمن " جاء في الزمن المتأخر " فالقطيعة التاريخة حاصلة، بمعنى القطيعة بين الحضارة العربية الإسلامية بما هي أصول وبين الحضارة المصدومة، المفجوعة على وقع الاستعمار والانهيار الذي استفاق عليه العرب عامة  ومفكري النهضة خاصة، هذه القطيعة أو الفجوة من السبات أو من الغياب كانت هي الفرصة السانحة للقبائل الأوروبية المشتتة لتتحول إلى دول ( وستفاليا 1648 ) كانت كفيلة بأن تضعف الدولة العثمانية لتصير فريسة سهلة، وإلى رجل مريض تتنازع ورثته جمهرة المُحتلين.
على هذا الوقع استفاق العالم الإسلامي في القرن العشرين على دول مهزومة ومحتلة من المحيط إلى الخليج، وعلى مناطق قد ذهبت للأبد ( مناطق شرق آسيا : أوزباكستان، كازخستان وصولاً إلى أرمينيا وجورجيا وغيرها )، وهو ما أدى إلى بلبلة مخيفة من تنوع المدارس والاجتهادات الغريبة العجيبة بين دعاة القومية، الخلافة، القطرية، إعادة بناء الخلافة … غياب كل هذه المدارس غيب مركزة القوى وشتتها لنصل إلى ما وصلنا عليه، وليبقى العالم الإسلامي رهين التراث من جهة ورهين المواجهات الحداثية بما تحمله العولمة من أبعاد ومخاطر.
على مشارف نهاية الحرب العالمية الأولى، كانت كل الدول العربية قد باتت محتلة، فوقوف الدولة العثمانية إلى جانب ألمانيا وخسارة الحلف للحرب، وتطور العالم وقيمة المواقع الاستراتيجية وتبدل طرق التجارة وتغير القيم والمعطيات، حدا ببريطانيا إلى أن تلعب دوراً إلى جانب حلفائها في تقاسم هذه التركة الثمينة، وتقسيم الأدوار والنفوذ لئلا تقوم قائمة للشرق " الأسطوري " المُحير بعد اليوم.
كانت خطى بريطانيا بحاجة إلى شرعنة جزئية لمشروعها، وعليه كان عليها أن تستقطب رجالاً ذوي نفوذ من داخل المجتمعات العربية الإسلامية لتبرير مشروعها، ولم يكن ( للمثال فقط ) أفضل من الشريف حسين، شريف مكة ليقوم بهذا الدور، في ظل اتفاقية ثنائية خرج منها بصفعتين قاسمتين للظهر، صفعة اتفاقية سايس – بيكو، وصفعة وعد بلفور، وهو ما حدا به إلى التنازل أكثر فأكثر لكن كل هذا لم يمنع خسارة المُلك في الحجاز لصالح عائلة آل سعود.
كان وصول الأمير فيصل ابن الشريف حسين، ضربة أخرى للشام وله، فرغم الترحيب الذي لقيه هناك، فقد كان أول قرار له هناك تشكيل حكومة عسكرية بقيادة رضا باشا الركابي، وطبعاً كرفيق لساطع الحصري فقد كان مروجاً للدولة العلمانية، ثم سافر لحضور مؤتمر الصلح مذكراً بحقوق العرب التي ستنهار أمامه لاحقاً.
على أثر مؤتمر سان-ريمو عام 1920 تبخرت كل الوعود والأحلام، فقد أقر المؤتمر تقسيم البلاد، ووضع كلاً من سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، وفلسطين، شرقي الأردن، والعراق تحت الانتداب البريطاني. وستكون معركة ميلسون بقائدها يوسف العظمة عام 1920 ، والثورة السورية الكبرى 1925 - 1927بداية ثورات لن تنتهي إلا بدحر الاستعمار الفرنسي الذي سيعلن استقلال سوريا عام 1946[2].
نتيجة لمبدأ " فرق تسد " نشأت كل الدول العربية، وكانت لبنان نتاج ذات المبدأ فقد أعلنت لبنان بناءً على قرار من المندوب السامي عام 1927 وعين شارل دباس رئيساً لجمهورية لبنان، وعلى غرار الحالة السورية فإن لبنان وبعد هزيمة فرنسا في الحرب العالمية الثانية ستحصل على استقلالها عام 1943.
شرق الأردن لم يكن بمنأى عن الأحداث، فقد كان إمارة تشكلت حدودها عام 1923، بناءً على معاهدة مع الأمير عبد الله وكمحاولة لاسترضائه بعد الإهانة التي لقيها أخيه فيصل في سوريا من طرده على يد القوات الفرنسية، وعليه فقد أكُرم بهذه الدولة العتيدة وأقر استقلالها عام 1946[3]. لكن الأمر كان مخالفاً في العراق التي حصلت على استقلالها مبكراً،فغداة احتلالها عام 1917 بعتاد ثقيل ( نظراً للهزيمة التي لحقت بالجيش البريطاني عام 1916 )، فقد طالب العراقيون إحراجاً لبريطانيا بعبد الله ابن الحسين، ثم سوي الأمر بإرسال فيصل، وقد كان ذلك منسجماً مع سلسل أحداث،  كمعركة ميسلون، وثورة سعد زغلول،  على أثر كل هذه الاضطرابات الكثيرة حصلت العراق على استقلالها عام 1932.
أما مصر ( قلب الأمة كما كان يسميها الظاهر بيبرس )، فمذ عهد محمد علي وهي تشكل مسرحاً للنفوذ الفرنسي البريطاني، لكن طلائع الجيش البريطاني عام 1882 كان الوقع الفعلي للاستعمار بصورته الأكثر وضوحاً، وستنطلق الثورات ضده من ثورة عُرابي إلى سعد زغلول متوجة باتفاقية استقلال مصر عام 1922، لكن جلاء آخر جندي بريطاني من مصر سيكون بعد ثورة الضباط الأحرار عام 1952 ( حيث أجلي الجنود عام 1954 ). وستتحرر السودان من بعدها أيضاً عام 1956 .
كانت بلدان الخليج العربي في نهاية القرن التاسع عشر أكثر أجزاء العالم العربي تأخراً، كما كانت مجزأة إلى دويلات تحكمها القبائلوالأسر لكنها في ذات الإطار تابعة إما للدولة العثمانية وإما لبريطانيا. على أعتاب العام 1870 كانت بريطانيا قد احتلت سلطنة لحج وجميع إمارات الجنوب التسع، وفي 1873 كانت الدولة العثمانية قد اعترفت رسمياً الاغتصاب[4]. ومع مرور السنوات بدأت بريطانيا بتوسيع نفوذها إلى سلطنة عُمان، والتعاون مع الدولة العثمانية في قمع الانتفاضات المنادية بالتحرر، كما كان الصراع على النفوذ قائماً بين بريطانيا وفرنسا وروسيا ، لكن بريطانيا نجحت في دحر نفوذ الدول الأخرى، ففرضت على البحرين اتفاقية الحماية 1880، وتحالفوا مع قطر 1882 لتصير تحت سيطرتهم عام 1916، إضافة للكويت عام 1899.
لم يكن هذا الاستعمار بعيداً عن شيوخ القبائل وزعمائها الذين كانوا جزءاً من اللعبة السياسة كما كانت تحالفاتهم تعكس ذاك التوجه الاستسلامي في اللعب على وتر المصالح والنفوذ بين بريطانيا والدولة العثمانية الذي كان لها عداء شديد أذكته الافكار الوهابية التي بدأت بتجميع الثوار خاصة مع الثورة التي قادها ابن سعود لتتحول إلى قوة حقيقية تعيد تأسيس وبعث الدولة الوهابية ولم يكن هذا دون مساندة البريطانيين لدعم نفوذه على حساب آل شمر ذوي النفوذ الكبير ليطيح بهم بمعارك شرسة مذ 1904 حتى 1906، ومع هذا النفوذ الذي حققته الدولة الوهابية بدأ القلق البريطاني ينموا لينقلبوا عليه لاحقاً.
مع تولي الحسين شريف مكة الحجاز عام 1916، بدأ بمحاربة الأتراك حتى طردهم، وليدعوا إقطاعيي الجزيرة دعوة تتوجت بمبايعته ملكاً على الأمة، ثم تأسيس الحكومة العربية ومقرها مكة، واعترفت به فرنسا وبريطانيا ملكاً على الحجاز.
لكن الصراعات لم تخبو إذ بدأ صراعٌ آخر، صراع الأسرة الهاشمية والأسرة السعودية ( عبد العزيز هو ابن محمد بن سعود الذي تحالف مع محمد ابن عبد الوهاب واعتنق أفكاره المنادية بالقضاء على الدروشة والتصوف والمد الشيعي والسلطة التركية، وستتحول هذه الحركة لاحقاً إلى حركة مركزية تبسط نفوذها على الخليج العربي، منطلقين بشن الغارات والاستيلاء على المناطق واحدة تلو الأخرى، وعلى رغم الصراعات اللاحقة مع محمد علي والاتفاقيات المهينة التي حلت بهم ، إلا أن انتفاضاتهم ستستمر حتى بعد رحيله وبدايات الاستعمار البريطاني عام 1840[5]. )، ليحقق عبد العزيز انتصارات متتالية انتهت بتتويجه ملكاً على نجد والحجاز 1927 واعتراف بريطانيا، الذي كان ثمنه التنازل عن مناطق كعَمان والعقبة، من جهة أخرى بدأ عبد العزيز ببناء علاقات متينة مع من ساندوه في قتاله كمشايخ قطر والكويت والبحرين وعمان[6]. والتي ستتحول جميعها إلى دول تحكمها ذات المنطلقات القبلية لترث ذات العلاقات إلى حد ما. ولكنه من جهة أخرى كان في حرب ضد الإمام يحيى صاحب اليمن (الذي كان زيدياً من جهة، وموالياً لإيطاليا من جهة أخرى ) هذا الخلاف سيتم تسويته في اتفاق الطائف من العام 1934 والذي يعترف فيه عبد العزيز بحدود اليمن[7].
 الجزيرة العربية وكجزء من العالم الإسلامي حافظت على بنية اجتماعية موحدة، ومتجانساً اجتماعياً أما دينياً فكان  تعددية مثقلة بالعنف التاريخي ( سنة – شيعة ) كنتاج  أفرزته معادلات الصراع ومعادلات الجغرافيا معاً، لكن المجتمع كمجتمع حافظ على عادات وتقاليد كتربية المواشي والزراعة، وهو بدورها حمل في داخله كل المحتوى الثقافي بكل تجلياته: العادات، التقاليد، المعتقدات، الطقوس، الفولكلور، أنماط الحياة، الفنون، المنتجات المادية، العمران[8].
خلال هذا التاريخ الطويل اكتسبت العلاقات الخليجية مع الغرب طابعها، والذي يعود إلى الدعم المتلقي على الفترات الطويلة لأجل تحررهم من سلطة الدولة العثماني، وبالتالي تحولت بريطانيا إلى حليف استثنائي، لكن ضمن هذه المنظومة ظلت هناك دوماً صراعات داخلية عالقة لن نخوض فيها، لكن ما يمكن قوله أن من جملة الأزمات الداخلية هي أزمة الشيعة في البحرين والتي بدورها حصلت على دعم جيرانها لأجل أن تسيطر الأسرة المالكة عليها، فيما اليمن أخرجت من إطار الدول والقبائل المتحالفة لحكم الزيديين الذي يتناقض في العقيدة السنية – الوهابية مع المشروع الخليجي. كما لا يمكن نسيان أن الجيش اليمني الذي تم بناءه كان يتم تسليحه بدعم تركي الأمر الذي أشعل هواجس القبائل وشيوخها[9].لكن ترجمة هذا الخوف أتى سريعاً من خلال معارك عديدة قادها أمراء السعودية ومع زمرة من القبائل الشرقية للخليج ( الكويت، البحرين، قطر، الإمارات ..) ووصلت أوجها في معارك حقيقية ضارية عام 1933 لم يستطع فيها كسر شوكة اليمن أو انتزاع أراضيه بحيث كانت السعودية تتلهف لاحتلال اليمن خاصة نجران التي احتلتها ولما لاحت طلائع الأسطول الإيطالي قادمة لنجدة الإمام اضطر ابن سعود للتفاوض مع الإمام وانتهت باعادة الأراضي وتقاسم نجران وترسيم للحدود.
من هنا لا ثمة شيء مهمة أيضاً والذي حال بخروج اليمن من الإجماع الخليجي، هو كون الدولة اليمنية المؤسسة من خلال الإمام يحيى دول منقسمة قبلياً وجغرافياً فجنوباً تمتد القبائل التي تدين بالمذهب السني الشافعي خاصة في إب، وشمالاً قبائل تدين بالمذهب الزيدي، إضافة لذلك فقد كانت بعض التدخلات البريطانية الخليجية في محاولة لتأليب هذه القبائل، والتي فشلت ، كما عرض البريطانيون على الإمام يحيى العديد من الإغراءات لانتزاع اعترافه بسيادة الانجليز ومع ذلك رفض فانتهى الأمر بضربات بريطانية وصمت خليجي. ومن خلال مداولات ومفاوضات بين الإمام يحيى وقادة ايطاليا حصل، وفي مقابل اتفاقية صداقة تمنح ايطاليات امتيازات تجارية اعترفت ايطاليا باليمن دولة مستقلة عام 1926[10]، كما وقع اتفاقية مماثلة مع الاتحاد السوفيتي ووقعت على اتفاقية مماثلة أيضاً بريطانيا في سنة 1934، لكنها استقلت نهائياً وبشكل رسمي عام 1967.
وبحلول 1961 استقلت الكويت، فيما استقلت عُمان عام 1962،تلتها البحرين والإمارات 1971، ثم قطر 1972.
إن كل هذا المسار التاريخي أفضى إلى وجود اليمن في جهة ودول الخليج العربي في جهة أخرى، كما أن أثر النفط قد حذا بطفرة تحديثية في الخليج العربي بحيث أن السكان الذين كانوا يعتاشون على التجارة وعلى اللؤلؤ والصدف، بات في متناولهم ذهب أسود، وهو بدوره ما أدى إلى قفزة نوعية فوجوده كأكبر احتياطي في العالم أدى إلى تحديث عام وشامل في البنية الاقتصادية والاجتماعية في ظل علاقات جيدة مع بريطانيا والولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى متمثلة بشركاتها، وفي ظل تدهور علاقات اليمن مع الغرب خاصة فترة الوحدة مع مصر وتأسيس الجمهور برئاسة السلال.
لقد كان المغرب مذ زمن بعيداَ مستقلاً عن الدولة العثمانية، وقد كان له حكام إقليميون، يحملون لقب باشا أو باي أو داي، فقد كانت الدولة العثمانية لما سيطرت على الشمال الأفريقي في القرن السادس عشر منهكة وكان أسطولها متضعضعاً وعليه فقد رضيت بالحاكم الإقليمين.
بدأت تطلعات الغرب فرنسا لأوروبا مبكرة مذ عهد نابليون الذي كان يضيفها دوماً إلى ممتلكاته[11]. وستخضع الجزائر ( 1830 )، وتونس ( 1881 )، المغرب ( 1912 ) وليبيا ( 1911 ) وموريتانيا ( 1909 ) بالتتالي للاستعمار الفرنسي الذي سيحاول اللعب على وتر النزعات القبلية بالاضافة إلى استمالة هناك وارخاء هناك.
ومن الجدير ذكره أن مصير موريتانيا بعد احتلال المغرب، فقد تم القضاء على حركات المقاومة الوطنية من خلال الحملات العسكرية المتعددة وبمجيء غورو وحملات 1909، تم ابادة الحركات الوطنية، ولما احتلت المغرب تم اعتبار موريتانيا وحدة ادارية واحدة. لكنه المقاومة لن تموت فسينمو مناخ ثوري في العشرنات والثلاثينات مستلهماً أفكار الشيخ ماء العينين الذي قاد حركة مسلحة ومركزها أدرار. الجدير ذكره تلك الحركة الثورية أنها كانت مدعومة من سلطان المغرب والتي بدورها ستعزز رغبة الانضمام للمغرب، خاصة وأن تيار النهضة وتحالفه مع حركة الشباب في تيار واحد يطالب بأن تدمج موريتانيا مع المغرب ستقوضه الأمم المتحدة وفرنسا، باعلان استقلال موريتانيا عام [12]1960.
حصلت ليبيا على استقلالها من ايطاليا عام 1947، وعن مجلس الوصاية الفرنسي عام 1951، فيما استقلت تونس عن فرنسا عام 1956 كما استقل المغرب في ذات العام عن فرنسا واسبانيا، وفي عام 1965 حصلت الجزائر على استقلالها عن فرنسا.
على صعيد آخر يستحق الذكر، فيما يخص دول المغرب العربي فقد كانت ذات وضع اجتماعي مختلف تماماً، إذا يعتبر المجتمع مجتمعاً متجانساً من العرب والبربر، وقد كان بعضهم حضريين والآخرين عشائر وقبائل،وعلى أعتاب التحول الجديد، وما وصلت إليه الدول العربية، يتبدى السؤال ماذا عن البنية الاجتماعية العربية اليوم ؟ يرى الباحث وعالم الاجتماع العربي حليم بركات، بأن ثمة ميزة للمغرب والجزائر إذ تتكون من عدة جماعات لم يمنعها احتفاظها بهوياتها الخاصة من السعي لإيجاد صيغة تؤلف بين الهوية الخاصة والهوية العامة المشتركة[13].
على أثر كل الأحداث التاريخية التي ذكرناها من احتلال الدول العربية بأسرها، وما رافق ذلك من هزيمة على مستوى الوعي الذي انعكس في آليات البحث عن منافذ الخروج، من هنا انقسمت الآراء ( كما ذكرنا أعلاه ) بين من يدعو لمملكة عربية مستقلة ذاتياً وقد وقف على رأس هذا التوجه الجمعية القحطانية وجمعية العهد وكلتهما جمعيتان سريتان، كما كان هناك تيار دعى مبكرا لدول عربية داخل الدولة العثمانية كجمعية العربية الفتاة، كما كان هناك اتجاه رافض أساساً للدولة العثمانية منادياً بخلافة عربية قرشية وقد مثل هذا التيار الكواكبي ونجيب عازوري[14].
هذه الأفكار كانت الفتيل الذي أشعل نشاط الجمعيات والحركات السياسية اللاحقة كجمعية الوحدة العربية، 1930، جمعية الاخوان المسلمون 1928، مشروع نوري السعيد في تشكيله اتحاد يشمل العراق وبلاد الشام إضافة لعشرات التحركات الصغيرة هنا وهناك والتي كان لها إثارة الشعور العامة بالوحدة العربية[15].
هذا الحراك وتحت وطأة الضغط الشعبي، دعا الرؤساء والملوك العروب إلى بدء التفكير الجدي مذ 1940 وكانت بريطانيا دوماً مطلعة على ما يجري وتتدخل بشكل سافر وتوجيهي بحيث حالت دون قيام مشروع الهلال الخصيب الذي اقترحه نوري السعيد في كتابه الأزرق وعليه استبعدت فكرة اتحاد البلاد العربية بحكومة مركزية وأبقي على فكرة تكوين اتحاد له جمعية عامة تمثل الدول الأعضاء، وعليه بدأت المشاورات الأردنية – المصرية 1943، ثم المشاورات السورية – المصرية، وتلتها مشاورات السعودية – المصرية، ثم دخول وفد لبنان إلى ساح التشاور، ثم تلاها وفد اليمن الذي وصل القاهرة بعدها لتنطلق التحضيرات للمؤتمر العربي العام الذي سيتولى صياغة المشروعات لتحقيق الوحدة العربية وسيكون الاجتماع في 25 أيلول 1944 في الاسكندرية بحضوري مندوبي مصر، سورية، لبنان، العراق، السعودية، اليمن، فلسطين[16].
في الثاني والعشرين أقر ميثاق جامعة الدول العربية، الذي أكد على احترام واستقلال وسيادة كل دولة، والاعتراف بحدودها القائمة، والاعتراف لكل دولة بحقها في ابرام المعاهدات والاتفاقات بشرط ألا تتعارض مع أحكام الجامعة وميثاقها، إضافة إلى عدم اللجوء إلى القوة في فض المنازعات.
وعليه تلخصت أهداف الجامعة في توثيق الصلات بين الدول العربية إضافة لصيانة استقلالها والمحافظة على أمن المنطقة العربية وسلامتها في مختلف المجالات[17].
عقب الميثاق انطلقت الجامعة العربية في عملها كمنظمة إقليمية دولية، كما وبدأ على صعيد داخلي بتطوير ذاتها من خلال بناء أجهزة في الجوانب المختلفة، كما انضمت باقي الدول العربية إليها خلال السنوات التي تلتها.
وبغض النظر عن دور الجامعة إلا أنه من الواضح أنها لم تتطور خلال السنين وهو ما انعكس على قصورها في حل المشاكل الناشئة فغياب الضغط وتحويل الجامعة إلى هيئة تحكيمية في حل المنازعات دون قدرة تنفيذية على فرض ذاتها حال دون تقدمها، كما أن مبدأ الإجماع عرقل دوماً تمرير المقترحات والمشاريع، وحتى طابع الإلزام في القضايا التحكيمية يتم لمن وافق على القرار وليس من عارضه، وعليه ففي مراجعة الميثاق ليس هناك أي نص يفرض الإلزام.
من هنا يتراءى الفشل المتراكم في جامعة الدور العربية، من خلال الثغرات والفجوة في ميثاق الجامعة والذي لم يطور في قضاياه الأساسية بل تراكمت كل المؤسسات على ذات الأسس الهشة التي قد تسقط في أي لحظة خاصة في ظل الظروف العربية الراهنة، ويمكن القول أن الجامعة العربية هي آلة ردة فعل وليس بمؤسسة أو منظمة قادرة على أن تقود زمام المبادرة[18].
لا شك أنه من الصعب قراءة نشوء مجلس التعاون الخليجي دون المرور على التواريخ المهمة المرافقة لانطلاقته، إن انطلاقة مجلس التعاون الخليجي في العام 1981 يقف وراءها العديد من المسببات التي قد تتراوح في أهميتها لكنها ليس خارجة عن إطار المُحدث المؤثر.
شكل سقوط نظام الشاه في إيران بفعل الثورة الإسلامية إشارة تحذير لدول الخليج التي كانت محمية آنذاك بفعل السيطرة الأمريكية على نظام الشاه، وبالتالي لم تعد دول الخليج بمأمن في الخليج العربي وعليه فكان لا بد من قوة ردع وتآزر يكون في مواجهة العدو البعيد – القريب.
لم تكن إيران الخطر الوحيد فالعراق كان دوماً هاجساً مخيفاً للكويتيين وهذا لا يعود إلى لصدام حسين بقدر ما هو عائد للمخيال الشعبي المنمي لأفكار ضم الكويت للعراق كما أنه ليس وليد الثمانينات بقدر ما هو وليد الأزمات اللاحقة ويكفي الإشارة لأزمة 1962.
في موازاة ذلك خرجت مصر من الحلف العربي وبالتالي فعقب اتفاقية كامب دافيد " انفرط " العقد العربي وباتت كل دولة تلهو كما تشاء، ولم يعد هناك من سند قوي أو دولة قادرة أن تلملم أطراف الوطن العربي بعد أن خرجت مصر وهو ما حدا بدول الخليج أن تتصرف على هواها.
إزاء هذه المتغيرات وعداها، بدأت دول الخليج تفكر بوحدة حقيقية خاصة بعدما استشعرت بالتأثير الذي أحدثته جراء موقفها من وقف الذهب الأسود في حرب 73.
من هنا جاء مجلس التعاون الخليجي بين الدول ليعبر عن الهواجس والمخاوف من جهة وليعبر عن أمنيات التقدم والتطور خاصة مع بدء عملية " التحديث " في الخليج على أثر الطفرات النفطية المتتالية، وقد جاء بالتالي مجلس التعاون مقترناً بدول الخليج نظراً لتشابه السمات الثقافية، الاجتماعية، السياسية، وتشابه الموارد أيضاً، والجغرافيا والبيئة[19].
وعليه يمكن حصر أهداف المجلس بتنسيق وتكامل بين الحكومات في كافة المجالات لأجل الوحدة اللاحقة، وتعميق العلاقات والروابط والتعاون في ميادين المعاملات، الاتصالات، التعليم، الثقافة، الشئون الصحية، الاجتماعية، الاعلام، السياحة، التشريع، الادارة …( راجع الميثاق في موقع المجلس )[20].
جاءت انطلاقة مجلس التعاون الخليجي عام 1989 في وقت كانت تمر فيها معظم هذه البلاد بأزمات داخلية وربما تكون هذه الفترة نتاج تداخل الأزمات ومحاولة تصديرها أو إبعاد النظر عنها.
مذ انطلاقة الاتحاد المغاربي لم يعقد مجلس الرئاسة الذي يحوي بداخله كل القرارات سوى ست مرات بين 1989 – 1994 ولم تعقد بعد هذا الموعد أي دورات أخرى[21].
لم تعقد الدورة السابعة إذاً، كانت كل المؤشرات توحي أيضاً بأنها لن تنعقد في الوقت القريب، فالهوة السحيقة التي تبعد المغرب عن الجزائر أكبر من أن يتم رأبها في المستقبل القريب، كما أن العقلية التي تحكم العقيد القذافي وما يعقبها من ممارسات تجر الأزمات عليه ( كأزمة لوكربي 1992) تجر في الوقت ذاتها الأزمات على المنطقة ككل، وباتجاه آخر الوضع الهش الذي تعيشه موريتانيا ( 6 انقلابات عسكرية في الخمسين العام الأخيرة ) كلها كانت مفاصل تدل على أن الوضع الداخلي لدول الاتحاد هي دول هشة وذات طبيعة مهزوزة لا يمكن ضمان استقرارها.
على وقع ذلك جُمد الاتحاد المغاربي، ولم يُنج من هذا التجميد سوى بعض الاتفاقيات المتواضعة التي ما زالت قائمة وبعض الاجهزة الفاعلة ولكنها لا ترتقي إلى مستوى العمل الدولي بمعنى هذه الاتفاقيات من الممكن أن تقوم به مؤسسات غير حكومية أما بمستوى دولي فمن المفروض أن تكون الاتفاقيات والمشاريع مشاريع تليق بنفوذ واقتصاد دولة.
وبالتالي فإن الأهداف التي ذُكرت في الملفات الرسمية للاتحاد المغاربي ( راجع أهداف الاتحاد في الصفحة الرئيسية لموقعه الالكتروني ) لم ترَ النور فأواصر الأخوة لم تتمتن كما أرادوا، والسلام الذي أرادوا صيانته سقط في خضم النزاعات البينية، كما أن السياسة لم يتم توحيد وبقيت التباين ينخر فيها.
وعليه فيمكن حصر المعوقات بثلاث معوقات أساسيى، الأولى بنيوية وتتعلق بالبنية الهشة للمؤسسات والطبيعة القديمة لها، إلى جانب مبدأ الاجماع الذي أدى الى القبول ب 5 معاهدات فقط من اصل 37، اضافة لمعوقات بينية وخارجية كالخلافات بين الدول والمساومة مع الخارج.
من خلال كل هذا العرض التاريخي والسياسي ( في جانبه الأخير ) ينبجس السؤال لماذا كل هذا المنظمات ( جامعة الدول العربية، مجلس التعاون الخليجي، الاتحاد المغاربي ) رغم كوننا نعيش في وطن عربي واحد ؟ وهو بدور يفضي إلى سؤال في مستوى آخر لما انطلقت منظمات كمجلس التعاون الخليجي والاتحاد المغاربي طالما لدينا جامعة الدول ؟ وما الذي لم يحققوه في الجامعة ليحققوه في منظماتهم الفتية ؟
بناءً على العرض التاريخي الذي قدمناه يتراءى ثقل التاريخ في صياغة الوطن العربي، الذي هو بدوره ليس وطناً متجانساً، فامتداده من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، لا يعني أنه كتلة ثقافية واحدة، بل هو خليط من الثقافات والأعراق والقبائل وعليه فإن البُعد القومي ليس هو أساس تشكيلة الهوية في المخيال العربي، فثمة صراع بين الدين والقومية حول الأسبقية، إضافة إلى صراعات الأقطار التي تحوي في داخلها بعداً تاريخياً فالأمويين بنوا حاضرتهم في دمشق والعباسيين في بغداد، وهو ما يعني علاقة القبيلة، الثقافة، الخلافة، الأمر الذي سيتشكل لاحقاً في العالم العربي بصورة أخرى لكنها ستحمل التجاوز الزماني والمكاني ذاتها، لتتحول الثلاث مركبات إلى صراع داخلي تعيشه كل دولة.
من هنا يتراءى قيادة السعودية كقيادة تاريخية مردها موقع محمد بن عبد الوهاب من آل سعود وذاك التيار الوهابي التاريخي الذي تظافرت فيه القبائل العربية مع حلفائها الغربيين، كما يحكمه التوجه الديني لمكة كقبلة المسلمين، وبالتالي فالسعودية حملت في داخلها البعد التاريخي الإسلامي والبعد التاريخي القُطري مما يؤهلها لريادة هذا الموقع، مما لا يفقد شرعية أية دولة أخرى تسعى لبناء موقع لنفسها، وهو ذاته ما يمكن ملاحظته من خلال السياسية الخارجية لقطر التي تسعى للخروج من عباءة السعودية وهو ما يتبدى من خلال الحرب التي لا يمكن مشاهدتها على أرض الواقع لكن يمكن ملاحظتها في الواقع الافتراضي ( العربية – الجزيرة ) فهي بدور تعكس ذاك الصراع الذي يدور في الخفاء.
لكن هذه الوضعية التاريخية المحسومة نوعاً ما في الخليج لم تكن لتحسم في المغرب العربي الذي تتنازع فيه الشرعية دولتنا، فالجزائر هي أكبر دول المغرب العربي مساحة، كما أنها أكبره سكاناً 34 مليون، في مقابل 31 مليون من المغرب، لكن الصراع هو صراع تاريخي مرده تاريخ المغرب كموقع استراتيجي كان مركزاً وانطلاقاً للسلالات الخلافية السابقة في حكم المغرب فمنه خرجة يوسف ابن تاشفين ليوحد المغرب العربي والأندلس أثر معاركه خاصة معركة الزلاقة الكبرى على أطراف الجزيرة الخضراء في الأندلس، كما أنها كانت مركز حركة الموحودة التي استلهمت أفكار ابن باجة على أثر كتابه " تدبير المتوحد " لتؤسس مشروعها " الموحدون " الذي سيُبنى على أنقاض دولة المرابطون، وبالتالي فإن هذا التاريخ بما يحويه من عنف رمزي سيكون قادراً على صياغة المخيال الشعبي وعلى تنمية روح الماضي من خلال الواقع المعاصر، وهو ما يترجم في الصراع بين المغرب والجزائر على قضية الصحراء المغربية والموقف من جبهة البوليساريو ودعم الجزائر لها ، وهو باتجاه آخر ما يترجم سبب دفيناً في اقامة أول اجتماع في مراكش والتي هي بدورها أسسها المرابطون وكانت منطقة تدعى مراكش ( معناها : سر بسرعة ) كون قطاع الطرق كانوا يستوطنون بها وبالتالي فقد أراد المرابطون ارسال فكرة أن دولة المغرب سيكون مقر في أكثر منطقة خطرة وفاسدة في المغرب وهي رسالة ستستخدمها المغرب في ال 89 لتقول أن الاتحاد سينطلق من مراكش.
هي كلها أمثلة شاهدة للعين، وتلخيصاً لذلك فإن التاريخ ما زال عاملاً مؤثرا في الصراعات داخل الوطن العربي وما زال التاريخ ووحيه هو الذي يصنع الحاضر والمستقبل وهو من يقرر فما حدث قبل ألف عام لا يزال في العالم العربي ناصعاً فتياً يمارس سلطته بكل مرونة.
من هنا فإن فالخليج العربي ومجلسه تعاونه هو نتاج التجانس الثقافي،وغلبة التوجه " السني " في التوجيه وتراكم العلاقات التاريخية ولهذا نرى غياب اليمن من دول مجلس التعاون، رغم أن وجوده في إطار الحسابات السياسية بما تحويه من مداخل اقتصادية وأمنية هو أفضل للمجلس لكن ما حكم المجلس هو تاريخ، فتاريخ اليمن الذي خرجت منه قبائل العرب هو تاريخ تهرب منه دول الخليج في تمرد الإبن على أبيه ( كحال اليابان والصين )، كما أن التجانس بين السنة والشيعة ( وتجانس الشيعة نفسهم بين الزيديين وبين الإثناعشريين ) هو صراع تهرب منه دول الخليج كما أن التاريخ المثقل بالصراعات بين اليمن والسعودية وصولاً إلى مساندة اليمن لحملة صدام حسين كل هذا التاريخ حمل بدوره انغلاق المجال السياسي بين اليمن والخليج، وفي دول تحكمها المؤسسات يكون بالإمكان تفادي هذا الأمر لكن مع دول يحكمها الفرد والعائلة تتحول الأزمات إلى صراعات متوارثة أباً عن جد.
الأمر ذاته انعكس في الاتحاد المغاربي من خلال الصراعات فالوحدة جاءت لتلبي وضعية الدول في لحظتها التاريخي أي في الثمانينات، أزمة الصراع الداخلي في الجزائر، أزمة موريتانيا مع السنغال، أزمة ليبيا مع العالم الغربي، أزمة الشرعية لبن علي ومحاولة تسويق ذاتها بعد حقبة بورقيبة، حاجة المغرب لتعزيز الاقتصاد في ظل هشاشة البنية الداخلية. وبالتالي فإن المقومات التكاملية لكل دول من دول المغرب هي ما دفع باتجاه الاتحاد فالجزائر أكبر منتج للغاز والنفظ والصناعات والبتروكيماوية إضافة لزراعة الحبوب والتمور والحمضيات، فيما المغرب يمتلك 70% من احتياطات الفوسفات في العالم،إضافة للحمضيات والأسماك،بينما تونس فتمتاز بالمناولة في الصناعات الميكانيكية والصناعات الثقيلة، وتصدير زيت الزيتون فهي ثالث مصدر في العالم، كما ليبيا التي تعد من أكبر منتجي النفط في العالم، وهو أيضاً ميزة موريتانيا المستجدة إلى جانب تصدير السمك،والثروة المعدنية.
           
لقد مرت الجامعة العربية بتحديات حقيقية طيلة مسيرتها، كما أنها أُعطيت الوقت الكافي لتقييم حقيقي يعطي ما لها وما عليها،          
وإنا هنا إذ نذكر بعض الإنجازات سواء في أزمة الكويت – العراق عام 61، أو في الحرب الأهلية اليمنية عام 63، وغيرها، لكن إلا يمكن تجاهل أن لاخفاقاتها أثر ملموس في تعدد التكتلات العربية، فالفاعلية والوتيرة التي تسير فيها الجامعة العربية قيدت العديد من الدول ذات الطموح التنموي التي ستبقى رهينة، فإخفاق الجامعة العربية في فعل أي شيء حيال اجتياح لبنان عام 82، أو استرداد أي جزء من الجولان أو الضفة الغربية أو مزارع شبعا المحتلين عام 67، يعد ضربة مبرحة لكل النظام العربي المُشكل من إثني وعشرين دولة وغير قادر على مواجهة دولة كاسرائيل، اضافة لاخفاقها في الانتفاضة الأولى، واخفاقها في حرب الخليج عام 90، ولن نعدد الاخفاقات اللاحقة كونها أتت بعد نشوء التكتلات، لكن الإخفاقات السابقة كانت قد بينت وبوضوح عدم قدرة جامعة الدول العربية عن رد العدوان، وليست بأهل أو جاهزية لأي مواجهة مما أوصل الدول العربية لأخرى لاستنتاج لا يحتاج لتحليل بأن الجامعة العربية ليست ذاك الدرع الحديدي التي تستطيع الاحتماء به.
من هنا في دول كدول الخليج كان الأمر مريباً خصوصاً مع اكتشاف الثروات النفطية التي تتمتع بها الدول، في موازاة مواجهتها لإيران من الجانب الآخر للخليج العربي التي لا تتوانى عن بث عدائها للخليج العربي والعبث بسيادته الداخلية من خلال تحريك أصابعها المتمثلة ببعض التيارات الشيعية في الخليج العربي.
المغرب العربي بدوره كان بذات التوجه، وبغض النظر عن الأسباب والتي ربما بمجملها أسباب سياسية نتاجها الأزمات الداخلية لكل دول، إضافة لحاجة التنمية الملحة، فإن الجامعة لم تستطيع أن تقدم أي جديد لدول المغرب العربي، ولم تستفد من الطاقات الهائلة هناك في دعم مشروعاتها وهو ما جعل الاتحاد المغاربي ينأى بنفسه.
لقد أخفقت جامعة الدول العربية حتى اليوم في إقانمة وحدة اقتصادية أو اتحاد جمركي، وكله جراء هشاشة هيكلية وتنظيمية، ولكن بغض النظر فإن اخفاق جامعة الدول العربية حدا بالدول أن تفتش عن بعض لتتكتل، بمعنى أن الدول الغنية تفتش عن بعضها، من هنا يمكن فهم جانب من استثناء اليمن الذي لا يتمتع بذاك القدر من النفط الذي يؤهله ليكون ثقل نفطي مؤثر، وعليه فكان أن استثني من مجلس التعاون ( كأحد الأسباب وليس هذا السبب الرئيس ) وبالتالي فإن الدول ذاتها صارت تفتش عن بعضها، وبالتالي فإن مشروعها توحد الأغنياء معاً، فآلية التفكير الخليجي أو المغاربي تقوم على أساس الثراء كي لا تخسر بعض قوتها في توزيع النتيجة كما يفعل الاتحاد الأوروبي مع اليونان.
ليس غريباً أن الجامعة الدول العربية جاءت بمباركة بريطانية وموافقتها، وقد كانت بريطانيا مطلعة أول بأول بل كانت موجهة للجامعة، ومن المعروف أن هذه المباركة كانت في محاولة لضرب فرنسا وألمانيا أعداء بريطانيا في النفوذ، وفي جهة أخرى لتتنصل بريطانيا من القضية الفلسطينية وتحولها إلى قضية عربية، كما أن الميراث الاستعماري ستتبرأ منه بريطانيا وسيصير مهمة عربية بحتة، ورغم خروج بريطانيا إلا أنه لم تخرج المؤسسات البريطانية من الدول العربية، هي ذات العبارة التي قالها ذات يوم غاندي، حين قال : " أن لا أخاف الاستعمار البريطاني فهو سيخرج حتماً من الهند، لكن خوفي من بقاء المؤسسات " وهو ما سيعززه أدوار سعيد من خلف حفره لمصطلح " النيوكولنياليزم " أي الاستعمار الجديد، وهو الاستعمار القائم على المؤسسات وعلى الشركات العابرة للقارات وباختصار الاستعمار الذي يسري في شرايين " العولمة " ويُشكلنا دون وعي.
من هنا يمكن القول أن التدخلات الغربية أو البريطانية في صياغة جامعة الدول العربية كانت صياغة موجهة لئلا تكون جامعة الدول العربية جامعة، فيكفي العبث بدولة ما لتصير الجامعة كالعهن المنفوش أضداداً تضرب أضداد.
حدث الأمر نفسه من خلال استقطاب الدول فاستقطاب مصر " قلب الأمة "، كان كفيلاً أن يحول الجامعة العربية إلى مهزلة.
بموازاة ذلك فإن الاستقطاب الغربي لدول الخليج، والسياسة الخارجية لدول الخليج المتماثلة في التوجهات المبنية على أسس اقتصادية حدا بها لتشكيل مجلس لها، تكون من خلال في حل من قرارات الجامعة العربية كما انها من خلاله ومن خلال نفوذها تكون كتلة صلبة قادرة على التأثير ( لاحظة الأزمة الليبية، جاء قرار القمة العربية بالحظر الجوي بعد قرار مجلس التعاون الخليجي الذي أثر بشكل قوي متأثراً بإهانات كبيرة وجهها القذافي لأمير قطر في مناسبة ولملك السعودية في مناسبة أخرى ).
النفوذ الغربي أيضاً ساهم ونظراً لوضعية المغرب العربي وأهميته، فعدا عن كونه ثقل اقتصادي، فالمغرب تشكل موقع استراتيجي وحيوي، كما أن الدول المغربي جميعها تُشكل ثقلاً اقتصادية تكتله يُشكل خطراً على الاقتصاد الغربي، من هنا تحول الصراع بين الجزائر والمغرب إلى صراع تقف من وراءه مراهنات ومساومات يقودها الغرب على شكل حرب باردة تحاول أن تُذكي الصراع وتطيله لئن التقارب الجزائري المغربي يعني انهيار كتل اقتصادية ضخمة من الاقتصاد الغربي.
إن الدول العربية هي ذاتها نتاج هجين، فهي وليدة الاستعمار وبالتالي فإن هذه الولادة القسرية حملت للجنين - الدولة – رزمة من التشوهات، فالدول العربية جميعها تحوي في داخلها إشكاليات وصراعات كونها تحددت ضمن مصالح الاستعمار وليس ضمن الجغرافيا الطبيعية أو الجغرافيا السكانية – الديموغرافيا البشرية، من هنا نلاحظ امتداد القبائل في البلاد العربية، لكن الأمر يصير مقلقاً حينما تكون هذه القبائل ذات قومية مغايرة ويبدأ الصراع في البحث عن إجابات كمشكلة الأكراد في سوريا، العراق، تركيا، وكما قبائل الطوارق في دول المغرب العربي، كما أن التقسيم السكاني ذاته مختل أنظر ليبيا مثلا 86% من سكانها يعيش في الشمال و 14% في الجنوب، وهو اختلال ديموغرافي ينعكس على مجمل المناحي، وفي بعض الأحيان أثرت الديموغرافيا الطائفية كحالة شمال وجنوب السودان وانتهى بالتقسيم وتحويل الجنوب ذي الأغلبية المسيحية إلى دولة.
كل هذه الإشكاليات التي ورثتها الدولة العربية لا تستطيع حلها بنفسها، هذه ظهرت بوضوح في الحالة البحرينية حينما لم تصمد في وجهة مظاهرات لم تتعد الآلاف وارتعش عرش الملك هناك، فالتجأ إلى مجلس التعاون الخليجي لادخال 1000 جندي من درع الجزيرة، وبالتالي فإن الدولة العربية هشة بصورة مريبة بحيث لا تقوى عن الدفاع عن ذاتها لا من الخارج ولا من الداخل وبالتالي فإن بنية الدولة الهشة تفرض على قادة هذه الدول اللجوء إلى تكتلات تكون قادرة على حمايتها.
الأثير, ابن. الكامل في التاريخ.القاهرة: المكتبة التوفيقية, د.ذ.
الجوهري, يسري. دول الخليج العربي والمشرق الاسلامي.المنيا: مكتبة ومطبعة الاشعاع الفنية, 1997.
بروكلمان, كارل. تاريخ الشعوب الإسلامية.ترجمةنبيه مين فارس - منير البعلبكي. بيروت: دار العلم للملايين, 1973.
شكري, محمد عزيز. الأحلاف والتكتلات في السياسة العالمية.الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, 1978.
لوتسكي. تاريخ الأقطار العربية الحديث.موسكو: دار التقدم, د.ذ.
مؤلفين, مجموعة. تاريخ اليمن المعاصر.ترجمةمحمد علي البحر. القاهرة: مكتبة مدبولي, 1990.
ياغي, اسماعيل أحمد. تاريخ العالم العربي المعاصر.الرياض: مكتبة العبيكات, 2000.
مواقع الكترونية :
  جامعة الدول العربية  www.arableagueonline.org
مجلس التعاون الخليجي www.gcc-sg.org


[1] راجع ابن الأثير، الكامل في التاريخ، الجزء الأول والثاني
[2] اسماعيل أحمد الباغي، تاريخ العالم العربي المعاصر، ص 118
[3] المصر السابق
[4] لوتسكي، تاريخ الأقطار العربية، ص 417
[5] لوتسكي، تاريخ الأقطار العربية، ص 92
[6] يسري الجوهري، دول الخليج العربي والمشرق الاسلامي، ص 27
[7] كارل بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية، ص 775
[8] عبد الرحمن عزي، دراسات في نظرية الاتصال، ص 104
[9] مجموعة مؤلفين، تاريخ اليمن المعاصر، ص 25
[10] المرجع السابق
[11] لوتسكي، تاريخ الأقطار العربية، ص 203
[12] اسماعيل أحمد الباغي، تاريخ العالم العربي المعاصر، ص 451
[13] حليم بركات، المجتمع العربي في القرن العشرين، ص 30
[14] على محافظة – مقالة النشأة التاريخية للجامعة العربية من كتاب جامعة الدول العربية الواقع والطموح
[15] المصدر السابق
[16] المصدر السابق
[17]   http://www.arableagueonline.org  الموقع الرسمي لجامعة الدول العربية
[18]ص 78 محمد عزيز شكري،الأحلاف والتكتلات في السياسية العالمية،
[19] محمد صادق اسماعيل، مجلس التعاون الخليجي في الميزان، ص 95
[20]http://www.gcc-sg.org مجلس التعاون الخيجي 
[21] ديدي ولد السالك،اتحاد المغرب العربي أسباب التعثر ومداخيل التفعيل، مجلة المستقبل العربي العدد 312